تواجه المجتمعات المسلمة تحديات كثيرة في الوقت الراهن، في ظل عالم متغير يموج بالأفكار والمذاهب، وتتسارع فيه الأحداث والوقائع، وتتشابك فيه المصالح وتتعقد فيه المشكلات، على نحو غير مسبوق، وتفرض هذه التحديات ضرورة التركيز على بعض القضايا، ومنها المقاصد الجوهرية للشريعة الإسلامية، بوصفها ضرورة وليست ترفاً علمياً توجب على الفكر الإسلامي المعاصر ضرورة أخذها بعين الاعتبار، وهذه القضية من القضايا الجوهرية عند الحديث عن تجديد الخطاب الديني، الذي يعدُّ من الموضوعات التي تحظى بأهمية كبيرة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، صاحبة الجهود الوفيرة والمتواصلة في هذا السياق، وصاحبة العديد من المبادرات المتميزة أيضاً. 
ومن هذا المنطلق، نظَّم «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»، بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، وجامعة دار السلام في إندونيسيا، يوم الأحد الماضي، مؤتمراً دولياً افتراضياً بعنوان: «مقاصد الشريعة الإسلامية بين التأصيل الأصولي والتوظيف السياسي»، بمشاركة نحو 30 شخصية رفيعة المستوى من علماء وفقهاء وأكاديميين من دول العالم. ودعا المؤتمر إلى تأصيل علم جديد لهذه المقاصد، يتم تدريسه بطريقة منهجية في الكليات والجامعات الإسلامية يخرّج متخصصين في مقاصد الشريعة، لضبط عملية البحث في تلك المقاصد وتفسيرها وترتيب أولوياتها، على النحو الذي يحول دون إمكانية توظيفها سياسياً وأيديولوجياً.
وفي الواقع، فقد حظي هذا المؤتمر بأهمية كبيرة لأنه ركّز في فعالياته على آليات تمكين الأمة الإسلامية من استعادة عافيتها الحضارية ودورها الريادي في شتى المجالات، والكليات المقاصدية الخمس التي أجمع عليها العلماء، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل أو النسب، وحفظ والمال، والتي تمثل منهاجاً متكاملاً للحياة، ليشير عقد المؤتمر إلى حرص دولة الإمارات على تأصيل قيم وممارسات الاعتدال والوسطية، وتبنيها لنهج السلم الذي باتت المجتمعات محتاجة إليه في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى.
كما جاء عقد المؤتمر في توقيت مهم، نظراً لسعي البعض إلى توظيف مقاصد الشريعة في خدمة أجندات سياسية معينة، كما تمّ النظر في هذا المؤتمر إلى التحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة في العالم، على ضوء تجاوز بعض منتسبي العلم المصالح العليا للمقاصد بإصدار فتاوى لا تتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف. وهنا تبرز ضرورة توعية طلبة العلم بأهمية مقاصد الشريعة بعيداً عن الأجندات السياسية، والتأكيد على مسؤولية الجامعات في الدول العربية والإسلامية في تدريس هذه المقاصد ضمن مناهجها، لتزويد خرّيجيها بالعلم الشرعي المؤسس على قيم الوسطية والاعتدال، فكثير من القضايا المعاصرة التي تهم العالم الإسلامي بحاجة إلى نظر دقيق وفكر واع ومعرفة حقيقية بمقاصد الشريعة لجلب المصالح ودرء المفاسد. 
ومما لا شك فيه أن موضوع التأكيد على المقاصد الجوهرية للشريعة يأتي في إطار حركة الإحياء الحضارية والتجديد الخاصة بالخطاب الديني، التي تبرز ضرورة توسيع دائرة المقاصد لتشمل حفظ السمعة والعدل الشامل والمساواة وحرية الممارسة السياسية، لتفعيل دور مقاصد الشريعة في حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه، وذلك من خلال دراسة واعية لمقاصد الشريعة الإسلامية لفهم الأحكام النصية من القرآن والسنة على الوجه الحقيقي، والعمل على الرصد العلمي الدقيق لتطوّر الدرس المقاصدي في تاريخ المسلمين وتأصيل علم جديد للمقاصد، يتم تدريسه بطريقة منهجية في الكليات والجامعات، وذلك على النحو الذي يعيد للمقاصد اعتبارها الوازن، حتى تكون أداة فاعلة في عملية تجديد الخطاب الديني، والأهم تحريرها من كل محاولات التوظيف العقائدي والطائفي والسياسي لتبرير مواقف وأفعال لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، وهو ما يصب في نهاية المطاف في تطوير منهجية شاملة لتجديد الخطاب الإسلامي، تقوم على ربط جميع مكونات التفكير الديني، خصوصاً الفقهي منه بمقاصد الشريعة.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.