القانون حين يجرّم فعلاً من الأفعال تحت طائلة العقاب؛ فإنه يضع في اعتباره بنيان الدولة ونظامها ومصالحها، وكل ما لا يجرّمه القانون، فهو داخل أو باقٍ في هامش الحرية الشخصية للأفراد، وهم أحرار في كيفية التصرف في ذلك الهامش، والأمر متروك لهم من دون أي أمر أو نهي من قِبل القانون. وقد يحقق تدخل القانون في هذا الهامش بعض المصالح والغايات، لكن يرى القانون أنّ عدم تدخله أولى لاعتبارات أخرى. 
فتدخين السجائر على سبيل المثال، رغم أنه مضر بصحة الإنسان على المدى الطويل، فإن القانون حين لم يجرّم هذا الفعل، فقد تركه ضمن هامش حرية الفرد. وعدم تجريم تدخين السجائر لا يعني بأي حال من الأحوال أنّ القانون صرّح بالتدخين، وسمح به، وأباحه، وأتاحه، وشرّعه. فعلى الرغم من أنّ النتيجة واحدة، أي أن الفرد يمكنه تدخين السجائر لو شاء ذلك، فثمة فارق كبير بين القول إنّ القانون لا يجرّم تدخين السجائر، وبين القول إن القانون يصرّح بالتدخين ويبيحه. 
فحين تقول إن القانون لا يجرّم تدخين السجائر، فإنّ الفكرة التالية التي تخطر ببالك هي أن القانون ترك أمر تدخين السجائر إلى محض اختيار الأفراد، وأبقى مسألة تجنب التدخين أو الإقبال عليه ضمن هامش حرية الفرد، ليكون قرار التدخين من عدمه قراراً شخصياً، يتحمل الفرد نفسه كافة تبعات ونتائج قراره. 
وحين تقول إن القانون صرّح بالتدخين وأباحه، فإنّ الفكرة التالية التي تخطر ببالك هي أنّ القانون يتبنى تدخين السجائر، ويشجع عليه، ويدعو إليه. وهذا الاعتقاد الخاطئ يغري أولا بتدخين السجائر، لاعتقادٍ قد ينشأ لدى الفرد العادي من أن التدخين لو كان ضاراً لوقف له القانون بالمرصاد ومنعه منعاً باتاً، وثانياً يُحمل هذا الاعتقاد الخاطئ القانون جانباً من مسؤولية قرار الشخص في التدخين، وما قد يترتب على هذا القرار من ضرر على صحته. 
والكثير من الأحكام الدينية مرعية في القوانين، ومَن يخرج عليها يتعرض للعقاب الذي تفرضه الدولة. لكن، ليست كل الأحكام الدينية قواعد قانونية بالضرورة؛ فالسرقة على سبيل المثال محرّمة شرعاً ومجرّمة قانوناً، لكن تدخين السجائر قد يكون حراماً شرعاً، وهو غير معاقب عليه في القانون، ذلك أن الدين أشمل من القانون، وهو يعتد بالنوايا جنباً إلى جنب الأفعال، أما القانون فمعني بالأفعال فحسب، والجزاء الديني أخروي بيد الله سبحانه وتعالى، بينما الجزاء القانوني دنيوي توقعه الدولة. 
وليست كل مبادئ الأخلاق قواعد قانونية بالضرورة؛ فاللبس الفاضح فعل مذموم أخلاقياً، وهو يشكّل جريمة في القانون، أما التباهي فهو صفة مذمومة في الأخلاق، ولا يعاقب عليها القانون، إذ الأخلاق أوسع من القانون، وجزاء مخالفة قواعد الأخلاق استهجان الآخرين، على عكس الجزاء المقرر لانتهاك قواعد القانون، وليست كل قواعد الآداب والمجاملة هي قواعد قانونية بالضرورة؛ فلا عقاب على مَن لا يزور المرضى، وعدم العقاب على عدم زيارة المرضى لا يعني أن القانون يبيح عدم عيادة المرضى.

*كاتب إماراتي