في الوقت الذي سادت فيه حالة من الارتياح والسعادة أرجاء المعمورة في أعقاب الإعلان خلال الأسابيع الماضية عن توصل بعض شركات الأدوية العالمية، للقاحات فاعلة ضد فيروس كورونا «كوفيد-19»، الذي شكّل منذ ظهوره أواخر العام الماضي، ولا يزال، التحدي الأخطر الذي يواجه البشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن حالة من الجدل أثيرت خلال الأيام الماضية حول كيفية التوزيع العادل لهذه اللقاحات على جميع شعوب العالم، خاصة في ضوء المعلومات المتواترة بأن هذه اللقاحات ستكون متاحة أولاً للدول المتقدمة، وفي مرحلة لاحقة للدول النامية والفقيرة.
إن غياب العدالة في توزيع لقاحات كورونا على شعوب العالم لا يعد انتهاكاً فقط لقيم المساواة بين البشر، وإنما يشكل أيضاً تجاوزاً صارخاً لأحد الحقوق الرئيسة التي أكدتها الأمم المتحدة في مواثيقها المختلفة، وهي الحق في الرعاية الصحية الكاملة، خاصة في أوقات الأوبئة والأمراض المتفشية التي تحصد مئات الآلاف من الأرواح، فضلاً عن ملايين المصابين.
إن تجارب التاريخ السابقة في التعامل مع الأوبئة ينبغي أن تكون حاضرة في التعامل مع أزمة جائحة كورونا، والاستفادة من دروسها، فإذا كان العالم قد فقد خلال القرن العشرين عشرات الملايين من البشر خلال هذه الأوبئة نتيجة لنقص الإمكانيات وغياب اللقاحات الفاعلة، فإن ذلك لا ينبغي أن يتكرر في الألفية الثالثة، حيث التقدم العلمي والمعرفي والثورة في مجال العلوم الطبية والصحية، والتي عززت من إمكانية السيطرة على هذه الأوبئة العابرة للحدود، صحيح أن وباء كورونا المستجد أدى منذ ظهوره إلى إصابة أكثر من 67 مليون ووفاة أكثر من مليون ونصف إنسان حول العالم حتى وقتنا هذا، إلا أنه لا تزال هناك إمكانية كبيرة لمواجهته والقضاء عليه، إذا ما تم تعزيز التعاون الدولي وخاصة فيما يتعلق بتوفير اللقاحات على جميع شعوب العالم، الغنية والفقيرة، على حد سواء، وبعيداً عن أي تمييز. 
لقد أوصت منظمة الصحة العالمية مراراً بضرورة توفير اللقاحات ضد فيروس كورونا لجميع دول العالم بشكل عادل ومنصف، ولهذا فإنها تقود مبادرة «كوفاكس» التي تستهدف تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات على الجميع، من خلال شراء مجموعة كبيرة من الأمصال وتوزيعها بعدالة على دول العالم المختلفة بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي. في الوقت ذاته دعت منظمة العدالة العالمية إلى تعليق قواعد براءات الاختراع العالمية خلال الأزمات والأوبئة العالمية العابرة للحدود لتمكين البلدان الفقيرة من تطوير إصدارات مشابهة للقاحات كورونا بأسعار أقل، وذلك بهدف توفير هذه اللقاحات لجميع شعوب العالم على أساس عادل، وعلى وجه السرعة، وهي لا شك مبادرات إنسانية جادة تستهدف تحقيق العدالة والمساواة بين شعوب العالم في مواجهة «حروب اللقاحات». 

إذا كان وباء كورونا أصاب شعوب العالم بلا استثناء، الغنية والفقيرة منها على حد سواء، فإن العلاج والوقاية منه ينبغي أن يشمل الجميع أيضاً، ولهذا فإن محاولات بعض شركات الأدوية احتكار هذه اللقاحات والتحكم في أسعارها وقيام بعض الدول الغنية بحجز النسبة الأكبر من كمية اللقاحات التي سيتم إنتاجها خلال الفترة المقبلة بصورة تفوق أضعاف احتياجاتها، ينبغي التصدي لها بحسم، لأنها لا تصادر فقط على حق الشعوب في الحصول على الرعاية الصحية والوقاية من هذا الوباء، وإنما أيضاً، لأنها ترسخ لفكرة التمييز وغياب العدالة التي قد تقود إلى الاحتقان والكراهية بين الشعوب، وما قد ينطوي عليه ذلك من تهديد واضح للأمن والسلم الدوليين.
إن التوزيع العادل للقاحات كورونا، وتوفيرها لجميع شعوب العالم هي المعركة التي ينبغي أن توحد المجتمع الدولي في هذه المرحلة، بدولة ومنظماته المختلفة، لأنها تمثل اختباراً حقيقياً لإنسانية العالم ومصداقية التزام المجتمع الدولي بقضايا حقوق الإنسان، وذلك في مواجهة محاولات احتكار هذه اللقاحات وجعلها كسلعة تجارية، في الوقت الذي يفترض أن يتم التعامل معها باعتبارها منفعة عالمية مشتركة تسهم في مواجهة تحدي كوني إنساني مشترك. 
وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم بحرب اللقاحات، فإن دولة الإمارات تقود الجهود الدولية الرامية إلى توفير هذه اللقاحات على جميع شعوب العالم، وأطلقت في شهر نوفمبر الماضي مبادرة حضارية وإنسانية هي«ائتلاف الأمل»، التي تستهدف دعم الجهود العالمية في توزيع لقاحات كوفيد-19 من خلال تقديم حلول متكاملة لتلبية متطلبات عملية نقل اللقاح وتوفير البنية التحتية الرقمية للمساهمة بشكل فاعل في توفير اللقاح في جميع أنحاء العالم، لتؤكد بذلك أنها بالفعل عاصمة العالم الإنسانية التي توظف كل إمكانياتها ومواردها من أجل خدمة البشرية في أوقات المحن والأزمات.
*إعلامي وكاتب إماراتي