بالتأكيد ليس للحب فصل بعينه، لكن إحساسي يقول إنه يكون أجمل في الشتاء. لي علاقة خاصة بهذا الفصل، وحبي له مختلف، أسطورة أكرر تمجيدها مع كل شتاء كانت تعلن أمي دخوله، عندما تضع دخونها في تلك المبخرة الكبيرة وسط منزلنا، لقناعتها بأن صغارها بحاجة إلى دفء آخر بجانب دفئها، ومع خيوط ذلك الدخان تتصاعد أسطورة الشتاء، ومهما كان نوع بخورها كنت أقرأ سطورها على غيومه الغامضة الداكنة، وأستلذ بتفاصيلها مع كل لمسة دفء فيه. وها أنا الآن أبحث عن مبخرة تشبه مبخرة أمي لأضعها لصغاري، لعلهم يلمحون تلك الأدخنة ويقرؤون أسطورته.
في الشتاء ترتفع الحاسة الشعرية للإنسان بشكل كبير، على عكس حالة جسده الذي يركن إلى الخمول، ولعل ليالي الشتاء الطويلة التي عادة ما تكون أكثر سكوناً، تدفع الإنسان إلى التقوقع على ذاته وتأمل تفاصيلها. فيما تحرك نسائم لياليه الطبقة الرقيقة للستائر التي تحجب الذكريات القديمة والأماني الدفينة في دواخلنا. ومن عمق ذلك السكون تبزغ الروعة، ويتفجر السحر من متاهات غموضه فينا.
في الشتاء تنتعش الروائح ويتركز أريجها، لدرجة تشعر معها أن للأشياء روائحَ خاصة بهذا الفصل فقط ترفض أن تكون حيادية، فهي إما تتمسك بتلابيبك، أو تنفر منك بعيداً، لا وسطية. كما أن له أصواته الخاصة التي لا يمكن استيعاب مخمليتها عند سماعها في فصل آخر، فلا أستوعب سحر فيروز وشجي نجاة الصغيرة من دون رعشة هذا الفصل البارد، حتى «القهوة» يكون لدخانها المتصاعد لذة تفوق لذة رشفتها الأولى، ذلك الدخان الذي قد لا تراه أو تشعر به في أي فصل آخر.
في الشتاء للحزن أيضاً شكل آخر، يأتي مضاعفاً محرضاً على الانغماس فيه، ولكنه لا يأتي مدعاة للشفقة، بل ببهاء وفخر، يأتي كفارس نبيل، مسح بتاريخه البهي خسارته الأخيرة. 
 في فصل بهذه اللذة.. تتغير فيه الألوان والأصوات والروائح، وتتحول فيه حواسنا إلى مساحات التقاط جمال مختلف، بالتأكيد سيكون للحب فيه مذاق آخر.