في الوقت الذي يسود فيه الإجماع على أن أزمة جائحة كورونا «كوفيد-19»، هي أخطر أزمة كونية تواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية، بالنظر إلى التداعيات التي ترتبت عليها، ولا تزال، وأحدثت تحولات جوهرية في مختلف المجالات، إلا أن التضامن الدولي في مواجهتها لم يكن بالمستوى المطلوب، حيث تحوّلت هذه الأزمة من كونها أزمة صحية وكارثة إنسانية ينبغي التكاتف في مواجهتها إلى أزمة سياسية تم توظيفها كإحدى أدوات الصراع بين القوى الكبرى، على النحو الذي تجسّد في انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من منظمة الصحة العالمية ووقف تمويلها لها، فضلاً عن تبادل الاتهامات مع الصين حول المسؤولية عن تفشي هذا الوباء، إضافة إلى غياب التعاون الدولي في مجال البحوث الطبية والعلمية الخاصة بهذا الشأن، بسبب تنافس الشركات الكبرى والقوى الدولية على أخذ قصب السبق لإنتاج هذا اللقاح، لإثبات تفوقها العلمي والمعرفي في هذا المجال.
وعندما استبشرت شعوب العالم خيراً خلال الأسابيع الماضية باللقاحات التي تم الإعلان عنها لعلاج «كوفيد-19»، فإن حالة من الجدل أثيرت بشأنها، ولا تزال، ليس بسبب تشكيك بعض الأطراف الدولية في الإجراءات والتجارب السريرية التي اتبعتها دول أخرى للتأكد من موثوقيتها كعلاج آمن وفعال فقط، وإنما لأن الشركات الكبرى التي تنتجها لم تأخذ في الاعتبار الجوانب الأخلاقية والإنسانية لهذه الجائحة، وركزت على الاعتبارات الربحية والتجارية، ودخلت فيما بينها في حرب أسعار حول هذه اللقاحات أيضاً، حتى عندما أعلنت بعض الدول عن مبادرات لتوفير هذه اللقاحات للدول النامية والفقيرة بأسعار معقولة ورمزية، تم التشكيك فيها من جانب بعضهم، واتهامها بأنها تستخدم «دبلوماسية اللقاحات»، لتعزيز نفوذها السياسي في العالم. 
لقد ظهرت خلال الأيام الماضية العديد من المبادرات الهادفة إلى توفير لقاحات «كوفيد-19» للدول النامية والفقيرة، فالصين أعلنت أنها ستعمل على جعل لقاحات فيروس كورونا منفعة عامة متاحة وميسورة الكلفة، بينما اقترحت ألمانيا استحداث منصة لمجموعة العشرين لتوزيع ملياري جرعة لقاح في العالم، ودافعت فرنسا عن توافر اللقاح للجميع، وهي لا شك مبادرات إيجابية تعكس الإحساس بالمسؤولية والالتزام الإنساني، لكن الأهم هو ترجمتها على أرض الواقع، ووضع الآليات التي تضمن وصول هذه اللقاحات إلى شعوب العالم كافة، دون أي تفرقة أو تمييز، وقتها سيدرك الجميع أن العالم لا يزال منحازاً لإنسانيته، وينتصر لقيم التضامن والتعاون في مواجهة أصحاب شركات الأدوية التي تسعى إلى الاستفادة من هذا الوباء في تعظيم مكاسبها المادية والربحية على حساب معاناة البشر وآلامهم.
يشار إلى أن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وخلال ندوة علمية دولية نظمها حول اللقاحات، دعا إلى استحداث منظومة دولية لإنتاج اللقاحات تقوم بعملية التنظيم والتنسيق والاعتماد الطبي والقانوني لإنتاج اللقاحات وضمان توزيعها في أوقات الأوبئة.