مساران متعاكسان بعد فوز بايدن بالانتخابات الأميركية، الأول يتقدم في تحركات حثيثة، ورموز عهده الجديد، والآخر، ترامب، يتراجع في عناده، ويقبل النتيجة مع بعض المكابرة، ومع بعض التصريحات الصحافية بتأكيد الطعن في شرعية الرئيس المنتخب!، يتابع العالم المسارين، الأول (بايدن) بات يحتل صدارة الميديا بأشكالها المحلية والعالمية. والثاني باتت تصريحاته على الهامش. مسارا شخصيتين متناقضتين أصلاً: بايدن، نظرياً على الأقل أو أيديولوجياً على الأكثر، لديه اتجاهه بحسب الديمقراطية «الأميركية» لا تحديداً بالديمقراطية الأوروبية، أي يسارية (هل تبقى من يسار في أميركا؟) مموهة أو فلنقل «مقولبة» وهنا وهناك ما يسمى يساراً متطرفاً! ويلتقي ما يلتقي من مطالب السود والأقليات.
لكن، هناك نقطة أساسية، تداولتها مختلف وسائل الإعلام بتحفظ: هل تكون ولاية بايدن هي مجرد ولاية ثالثة لأوباما؟ أي طبعة استنساخية ارتجاعية؟ يبدو، (من باب التكهن) أنه ليس من انفصال عمودي عن السياستين، ولا من تماهٍ مطلق، فالعالم كما يقول بايدن شهد تغيرات كثيرة على صعد عديدة، سواء داخلياً أو عالمياً، وتستدعي «تحديات جديدة، وهذا يصب في رد بايدن عندما نفى نفياً قاطعاً أن تكون ولايته مجرد استمرار لسياسة أوباما.
جزء أساسي من هذه التحديات ورثه من حكم ترامب وآخر من مخلفات أوباما (وأخطائه) أي أن الإرثين يحتاجان للمناقشة والمراجعة، وتبديد المخاوف. وضع بايدن إطاراً عاماً لتصوراته تحت عنوان «التفكير المبدع غير التقليدي» قد يختزل بطريقتي عمل ميداني، أو منهجين متوازيين أو متتابعين: الأول هو الإصلاح، والثاني هو البناء. الإصلاح الداخلي: معالجة معضلة العنصرية (المزمنة) والرعاية الصحية (أ عودة إلى أوباما كير؟) وكذلك الملف الصحي المتصل بكورونا، ومحاولة إصلاح جهاز الشرطة المتهم أحياناً بممارسة العنف على السود. خارجياً: ترميم العلاقة المضطربة بين أميركا والحلف الأطلسي، وعودة الانخراط في اتفاقية باريس المتصلة بالمناخ، وتنشيط دور أميركا لقيادة العالم (رداً على نظرية ترامب أميركا أولاً). بل العالم هو أميركا.
وهناك معالجة أو تنظيم علاقات أميركا بظاهرة البوتينية المعلنة في استراتيجيتها الإمبراطورية من أوكرانيا إلى سوريا، إلى ليبيا، فالمتوسط، من دون أن ننسى بروز «الأردوغانية العثمانية»، التي تماثل طموحات الرئيس الروسي، وكذلك المشكلة الأساسية القائمة: فهل يستعيد المفاوضات على النووي بعد أن انسحب ترامب منها، وهل يلغي العقوبات على نظام الملالي (عودة إلى قرارات أوباما؟) من دون إغفال تطوير «الصواريخ البالستية» وتدخل إيران في عدة دول عربية وغير عربية؟
فاجأ بايدن الجميع بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وأن الاتفاق السابق مع أوباما يحتاج إلى نقاش مع الإيرانيين، بل أضاف إلى فضية النووي سلوك إيران في المنطقة، بل ويجب مشاورة السعودية والإمارات في المباحثات: ألا يذكّر قليلاً بترامب؟
يبقى السؤال: من أين يبدأ بايدن؟ ما هي أولوياته؟ ما هي ملفاته الساخنة؟ وعندها هل ستكون ولايته أوبامية، أم «إبداعية»، أو تقليدية، أم مترددة، أم جامحة؟
*كاتب لبناني