تستحق كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، في ذكرى اليوم الوطني التاسع والأربعين، التوقف أمامها وقراءتها بعين ثاقبة، لا سيما وأنها تحمل في طياتها سر الإمارات الحقيقي، ذاك الذي جعل منها رسالة في محيطها الإقليمي، ونبراساً على صعيدها الدولي.
أنفع وأرفع ما يجده المرء في هذه الكلمة، نبرة الوفاء والولاء للأب المؤسس، زايد الخير، طيب الله ثراه، ذلك القائد المستنير، والذي أبصر من على البعد الدور الخلاق للإمارات، وكيف حلم بأن تضحى تلك البقعة الصحراوية، واحة من المودات، وكذلك تقديره لبقية الآباء المؤسسين.
قاد زايد الخير سفينة الإمارات عبر دروب التحدي، واستطاع أن يمخر بسفينة التنمية الإماراتية عباب التحديات.
على عتبات العام الخمسين من عمر الإمارات الفتية وتجربتها الوحدوية الفريدة، تبدو الإمارات أكثر قوة وثقة وقدرة، وأشد عزماً على بلوغ الأهداف، ولعل هذا ما يستدعي من القارئ علامة استفهام عن سر الإمارات الكامن في حنايا أضلعها؟
التسامح والتصالح مع الذات، هما اللذان مكنا تجربة الإمارات التنموية من أن تنطلق في الآفاق، فلا عداوات ولا كراهيات، وإنما عمل مستمر وأمل مستقر، وبينهما تُسلم الأجيال الراية، ليمضي أبناء هذا الوطن المعطاء في المسيرة نفسها، حاملين راية الانتصارات الأدبية والمادية عبر العقود.
تبدو الإمارات في منطقة ملتهبة، لكنها مع ذلك قابضة عل جمر إرادة السلام، وإنهاء عصور الخصام، بل والقفز على أزمنة الانسداد الحضاري والتكلس الفكري.
قبل أن ينصرم العام التاسع والأربعون، رغبت الإمارات في أن تفتح مسارات ومساقات جديدة للسلام في منطقة أصبح الموت فيها عادة، ولهذا بات العالم ينظر إليها بوصفها مثالاً لنجاحات غير اعتيادية، تسعى لتغيير المألوف والمعروف والموصوف.
حين تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد عن تجربة الإمارات مع التنمية، فإنه أصاب كبد الحقيقة حين اعتبر التجربة رائدة قلباً وقالباً، ذلك أن الإمارات ربما ليست الأكثر ثراء في الشرق الأوسط، على الصعيد المادي الملموس والمحسوس، غير أن ثراء مشروعها وتجربتها التنموية الحقيقية، مرده إلى العقول التي أبدعت، والقلوب التي تآلفت، والنفوس التي طمحت إلى العلا عبر الطرق المشروعة، ومن خلال مراكمة الجهود جيلاً تلو الآخر.
استطاعت القيادة الإماراتية الحفاظ على حالة السلم الأهلي والمجتمعي، بل وأكثر من ذلك نجحت الرؤية الإماراتية للداخل في جعل هذا البلد حلماً للشباب العربي، وهذه قصة ينبغي لعلماء الاجتماع التوقف أمامها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
أكثر من إحصائية في الأعوام الأخيرة قامت عليها مؤسسات بحثية موثوقة وذات مصداقية أشارت إلى أن الإمارات بالفعل أرض التحدي والإنجازات، إذ استطاعت تجربة الحياة الإماراتية أن تقدم نموذجاً جاذباً للشباب العربي، فلم تعد أميركا ولا كندا في مقدمة الدول التي يشد إليها الرحال، بل الإمارات.
خلال أزمة انتشار جائحة كورونا أثبتت الإمارات عمق تجربتها الإنسانية، وذلك حين تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الإماراتيين والمقيمين، فإنه لم يفرق القائد بين هذا وذاك، ما جعل الامتنان من كل من يقيم على أرض الإمارات أمراً واجباً. الإمارات تجربة حياة تجاوزت التحديات وحققت الانجازات.
*كاتب مصري