في هذه المقالة التي اختتم فيها موضوعنا الذي واصلت الكتابة عنه منذ ولوج عام 2020، أود الإشارة إلى أن الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت بالفعل موقفاً أخلاقياً ووجدانياً، وحالة ذهنية تقود المواطنين إلى إيلاء أهمية قصوى لوجود الدولة والحكومة الاتحادية كآلية تعكس الإنجاز والتميز والتخطيط السليم في نظامهم الحكومي، وذلك من منطلق الرغبة في توفير البيئة المناسبة لجعل قضايا وطنهم سهلة الإنجاز من قبل الحكومة الاتحادية.
إن الأجيال التي شهدت قيام الاتحاد في بداياته الأولى والجيل الحالي من الشباب على حد سواء يرون بأن التوزيع الدستوري للسلطة والقوانين والوظائف الحكومية، المقترن باللامركزية والكفاءة والإنجاز هي الآليات الأكثر مناسبة لتأمين مستقبل وطنهم الاتحادي ومستقبل أبناءهم، وضمان الأداء الفعّال والمنطلق للدولة والحكومة الاتحادية.
وهذا في تقديرنا يعني أن الاتحادية القائمة في دولة الإمارات، هي ابتكار سياسي - مجتمعي خلاق لأهل الإمارات قيادة وشعباً وحكومة قاموا بإنجازه في الثاني من ديسمبر 1971، وهم ينظرون إليه اليوم بأنه لا بد وأن يبقى ويستمر ويزدهر في انطلاقته المباركة.
ومما لا شك فيه أن ما حققته الدولة الاتحادية يشيد به القاصي قبل الداني والغريب قبل القريب، فإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية مدهشة، وتضاهي المقاييس العالمية، بل وتفوق العديد منها.
وبمقارنة الأوضاع التي وصلت إليها دولة الإمارات الاتحادية بما كان متواجداً قبل خمسين عاماً يتضح البون الشاسع بين الأمرين.
وبرغم من أن لكل تجربة وطنية إرهاصاتها، إلا أن ما تحقق يبعث على الفخر والاعتزاز. صحيح أن الطريق عادة ما يكون طويلاً وشاقاً أمام الأمم الحية التي تصبو إلى تحقيق الإنجازات في أرقى وأكمل صورها، إلا أن ذلك ليس بالمستحيل، خاصة إذا ما شرع متخذ القرار وصانعه إلى فهم العوائق التي تواجه الوطن على الصعد التنموية كافة من تعليم وصحة وقوى عاملة مواطنة ووافدة وأمن داخلي وخارجي وتحقيق للاستقرار بمعانيه الشاملة، بالإضافة إلى التمعن والتأمل في الأسس والأطر العامة التي تدور ضمنها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والعملية التنموية الجارية برمتها.
وفي تقديري أن العامل الرئيسي المسؤول عن نهضة دولة الإمارات الحديثة وتقدمها السريع وتحقيقها للمعجزة التنموية الشاملة المستدامة هو وجود القيادة الحكيمة والرشيدة منذ أيام الآباء المؤسسين لهذه الدولة بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، وما قام باستكماله والسير على نهجه القادة الحاليون الذين أثبتوا جميعاً بأنهم خير خلف لخير سلف.
لقد أوجدت القيادات المتتالية ثقافة سياسية واجتماعية قائمة على تأسيس إدارة فعّالة وحميدة لمقاليد الأمور تقود إلى تحفيز الهمم لدى أبناء هذا الوطن ومساعدته على تبصر طريقه نحو المستقبل دون خوف أو وجل أو قلق.
إن هذه الثقافة الجديدة أصبحت عامة لدى كل مواطن، سواء كان شيخاً مسناً أو كهلاً أو شاباً أو حتى صبياً يافعاً بحيث أن الجميع يشعرون بقيمة ما يقدمه هذا الوطن لهم وعلى جميع الصعد.
لقد غرست الثقافة الجديدة في نفوس مواطني دولة الإمارات مجموعة قيم جديدة هي الهوية الوطنية، وتطوير الشعور بوجود وطن واحد على الجميع أن يحبوه كوطن متكامل، وحب النظام واحترام القانون، والإسهام في تحمل هموم الوطن والمشاركة في حلها، والإسهام الصادق في تنمية الوطن.
وهذه جميعها قضايا مهمة، لكن قضية التنمية هي التي يتم التركيز عليها حالياً من حيث كونها عملية حضارية شاملة لمختلف أواصر النشاط في المجتمع بما يحقق رفاه الإنسان وكرامه وعزته وتطويره  وإطلاق قدراته الذهنية والبدنية من أجل البناء، فالإنسان هو محور كل شيء على وجه هذه البسيطة.
*كاتب إماراتي