الإمارات العربية المتحدة هي قصة رؤية، إرادة، وعزيمة منذ لحظة مولدها في مرحلة تاريخية، تعد مفصلية في التاريخ السياسي الدولي وليس الإقليمي بعد إعلان بريطانيا عن رؤيتها الجديدة (شرق السويس). لذلك مثلت رؤية الانتقال من حالة التصالح إلى الاتحاد، المشروع الوطني الأول منذ تولي المغفور له/ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في 6 أغسطس 1966 الحكم في إمارة أبوظبي لإدراكه ضرورات المستقبل، وأولها تحصين استقرار الجغرافيا. فجاءت الرؤية بقدر فلسفة الدولة، وبحجم آمال قادتها.
ارتكزت تلك الفلسفة على قراءة التحديات بشجاعة وواقعية، وأهمها ضمانات استدامة واستقرار الجغرافيا الوطنية، وتمكين هويتها في ظل تضاد دولي وطموحات إقليمية. ولقياس مخاطر حجم ذلك التزاحم الجيواستراتيجي (الحرب الباردة) على منطقة عالية الحيوية الاستراتيجية، وما أنتجه ذلك من واقع سياسي في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية (اليمن). كذلك، كان انقضاء أجل الوصاية البريطانية على منطقة الخليج العربي دون وجود لرؤية سياسية وطنية، يمثل تحدّياً مستقبلياً على تطور رؤى خاصة بالإمارات المتصالحة (إيران اعترضت على فكرة قيام الاتحاد حينها).
ما راهن عليه المؤسسون في المرحلة الأولى هو تكافل الجغرافيا الوطنية اجتماعياً، والبناء على هوية وطنية جامعة ومتناسبة وطموح المؤسسين وفلسفة الدولة. وكان لهم ذلك، عندما أُعلن عن تأسيس أحدث دول العالم العربي في 2 ديسمبر 1971، وكان اسمها الإمارات العربية المتحدة. والمبادئ الحاكمة لفلسفتها ثابته وبعمق انتماء الإنسان الإماراتي لأرضه، وبهوية وطنية متسامحة، مدركة لثوابتها العربية، منتمية لعمقها الاستراتيجي، منفتحة على العالم، بمنهجية علمية حداثية.
الإمارات قدمت أنموذجاً حين ولدت، واليوم هي دولة رائدة في دورها إنسانياً، سياسياً، اقتصادياً، وتنموياً في عموم المعارف والعلوم. ومبدأ الانفتاح عزز من قدرة الإمارات على تسريع تنمية رأسمالها البشري في كل الميادين، والذي يعد أحد أهم مسرعات تنميتها الاستراتيجية وطنياً، وفي تحولها من الاقتصاد الريعي (النفطي).
كذلك خلصت الدولة لتطوير مفهوم متقدم لمسؤولياتها الوطنية/ الإقليمية/ العربية/ الدولية، سياسياً (مجلس التعاون لدول الخليج العربية/ أبوظبي 25 مايو 1981). وأمنياً (تحرير الكويت 1991/ قوات حفظ السلام في البلقان وأفغانستان/ البحرين 2011/ عاصفة الحزم 2015/ أمن الملاحة في الخليج العربي 2019). كذلك تمسكت الإمارات بمبدأ حسن الجوار في تعاطيها مع احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، مع مواصلة جهودها لإيجاد حل ضمن آليات القانون الدولي.
ولا ينسى دور مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية إنسانياً وإغاثياً حول العالم.
مأسسة ثقافة الدولة هي التي مكنت الإمارات من الاستشراف المستقبلي استراتيجياً بنجاح، لذلك أضحت أنموذجاً خارج إطار التقليدية من المواطنة والعدالة الاجتماعية، إلى التنمية وحوكمة الأداء، وفي الاستشراف العلمي والتصالح مع التاريخ من أجل بناء آفاق إنسانية مستقبلية. 
مصداقية الإمارات في التسامح والتصالح مع التاريخ، هي التي مكنتها من تحقيق اختراقات سياسية كبرى، ولن يكون آخرها ميثاق السلام الإبراهيمي. مبادئها الإنسانية النبراس الذي وضعه المؤسسون، وهو ما تهتدي به قياداتها السياسية الآن ومستقبلاً، مع إدراكها لدورها ومسؤولياتها الوطنية والإقليمية والدولية.
نبارك للإمارات العربية المتحدة في عيدها الـ49، دُمْتِ بهية متألقة رائدة.