يمثل إطلاق القمر الصناعي «عين الصقر» أمس، الثاني من ديسمبر 2020، ملحمة إماراتية جديدة سطرها بكل تفانٍ وإتقانٍ «عيال زايد»، الذين أثبتوا بالفعل أنهم الثروة الحقيقية للإمارات، ورهانها الحقيقي للانتقال بالإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة في المجالات كافة. ولعل ما يدعو إلى الفخر بهذا الإنجاز النوعي الجديد أنه جاء في الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لتأسيس دولة الاتحاد، ليؤكد أن أحلام الإمارات في معانقة الفضاء والتحول إلى قوة كبرى في هذا المجال، باتت حقيقة يقف وراءها «عيال زايد» المتسلحين بالعلوم والمعارف العصرية الحديثة.
إطلاق القمر الصناعي «عين الصقر» يأتي بعد أشهر قليلة من انطلاق «مسبار الأمل» بنجاح في رحلته إلى المريخ، وهذا لا شك يعد إنجازاً نوعياً ترسخ من خلاله الإمارات مكانتها ضمن عالم الكبار في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية. في الوقت ذاته فإن «عين الصقر» الذي يعد القمر الرابع لأغراض الرصد الذي تمتلكه الدولة، سيمثل إضافة نوعية إلى خبرات الإمارات في مجال الأقمار الصناعية التي يتم توظيفها لأغراض مدنية وعسكرية، فالدول التي تمتلك برامج فضائية وأقماراً صناعية تصنف ضمن الدول المتقدمة، ويكون لها وزنها الاستراتيجي وسمعتها الطيبة في مجال التكنولوجيا، حيث تعد البرامج الفضائية والقدرة على تصنيع الأقمار الصناعية أهم مؤشرات التقدم على الصعيد العالمي، فالإمارات تثبت اليوم أن حلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في معانقة الفضاء وامتلاك أدواته، بات حقيقة مؤكدة، وأنها بالفعل أصبحت تجربتها في هذا المجال عنواناً للنجاح وتحدي المستحيل. 

إن المتتبع لمسيرة الإنجازات التي حققتها الإمارات منذ دخولها بشكل رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي عبر إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في شهر يوليو 2014 عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، يتأكد له بوضوح أن دولة الإمارات تعد واحدة من الدول القليلة في العالم التي تحرص على أن يكون مشروعها لاستكشاف الفضاء معتمداً كلياً على كوادرها المواطنة من المؤهلين وأصحاب الخبرات والمهارات، وذوي القدرة على مواكبة التطورات والمستجدات في فروع العلم والمعرفة كافة. كما أن ما تحقق من إنجازات في هذا المجال يشير بوضوح أيضاً إلى أن دولة الإمارات تمضي بخطى واثقة نحو تحقيق أهدافها المأمولة في أن تصبح ضمن الدول الكبرى في مجال علوم الفضاء، والشواهد على ذلك عديدة، أولها تزايد الإقبال من جانب الشباب المواطن على الانخراط في هذا المجال الحيوي الدقيق، ما يعني أن قاعدة عريضة من الكوادر المواطنة باتت مؤهلة للعمل في صناعة الفضاء واستخداماتها المختلفة خلال السنوات المقبلة. في الوقت ذاته، فإن وكالة الإمارات للفضاء تلعب دوراً حيوياً في بناء قاعدة من الكوادر المواطنة التي تمتلك المهارات المعرفية والخبرات التقنية في مجال الفضاء من خلال الإشراف على العديد من المبادرات والبرامج المهمة. 

ويعد دخول الإمارات مجال التصنيع الفضائي الكامل ثاني الشواهد على نجاح مشروع الإمارات لاستكشاف الفضاء، وقد تحقق ذلك من خلال إطلاق «خليفة سات» في أكتوبر من العام 2018، الذي يعد أول قمر صناعي في دولة الإمارات والمنطقة يطوره فريق مختصّ من المهندسين الإماراتيين، مما يبشر بتحقيق المزيد من الإنجازات في هذا القطاع الاستراتيجي الذي يخدم الاقتصاد والأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة. أما ثالث هذه الشواهد فتتمثل في إطلاق العديد من الخطط الطموحة في مجال استكشاف الفضاء للسنوات المقبلة، لعل أبرزها «البرنامج الوطني للفضاء» الذي تم إطلاقه في أبريل من العام 2017، حيث تكمن أهمية هذا البرنامج ليس فقط في كونه يتضمن خطة لمئة عام تهدف إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول 2117، وإنما أيضاً لأن هذا البرنامج الوطني يستثمر في إعداد رواد فضاء إماراتيين وبناء أرضية صلبة لكوادر إماراتية تخصصية في علوم الفضاء، كما يتضمن هذا البرنامج أيضاً إطلاق مجمع تصنيع الأقمار الاصطناعية ضمن مركز محمد بن راشد للفضاء، لتكون دولة الإمارات أول دولة عربية تصنع الأقمار الاصطناعية بشكل كامل.
إطلاق القمر الصناعي «عين الصقر» في الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لدولة الاتحاد، ووصول «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ في الربع الأول من عام 2021 في يوبيلها الذهبي، أمر يدعو إلى الفخر والاعتزاز والثقة بأبناء دولة الإمارات الذين أثبتوا بالفعل أنهم أفضل استثمار في المستقبل، بما أظهروه من كفاءة وقدرة كبيرة على تحمل المسؤولية لقيادة مشروع الإمارات لاستكشاف الفضاء.
*إعلامي وكاتب إماراتي