لك سيدة المقام، أم الشهيد، هذا البريق الأنيق يأتينا من مشجب نجمة علقت وميضها خيطاً ما بين السماء والأرض، وما بينهما ترفرف روح الشهيد، تواقة لسماع هفهفة القلوب الصابرة، وهي ترتل شفشفات، وتمتمات، وهمهمات، وتبعث للوجود رسائل شوق وتوق للذي أهدى العالم روحاً بحجم الكون، وكثافة مشاعر الإنسانية المحبة للسلام.
لك سيدة المقام تنحني الرؤوس، وتنثني أغصان القلب، اعتزازاً، وفخراً، بمن أنجبت الكرامة على أرض الكرماء، ورفعت نشيد الصبر ملحاً لجروح، أدماها الفراق، كما بقدر ما توجتها التضحية أكاليل مجد، وأوسمة فخر، وتيجان عز، وأنت اليوم تمسكين بطرف الذاكرة، خيطاً رفيعاً، كأنه مسبحة الصلاة، تسكبين من لوعتك ابتسامات فخر وتتأملين ذاك الطفل الذي كان، وذاك الفذ الذي نشأ وترعرع على الحب، ذاك الشامخ السامق الباسق، الناهل من فيض حنانك، تتأملين الصورة، وفي أحشاء الصورة ذكريات ومشاهد وقسمات وجه امتلك زمام الوسامة، والشهامة، وتأزر وعياً لا يخيب، ولا يكبو، بل يصبو إلى قيثارة الوطن مستنيراً بعطائه، مستضيئاً بضيائه، ذاهباً إلى المعنى الجليل في الوغى، لكسر شوكة من طغى، ذاهباً لأن في الذهاب إلى تحقيق الحرية للآخرين تكمن الحقيقة، وحقيقة بأننا في الوجود واحد، وفي العالم أخوة، وفي الأرض أشجار تعضد بعضها بعضاً، والطيور هي هذه القلوب المشغوفة حباً بالحرية، الملهوفة وجداً بالسلام، ووئام الكون، من دون تصنيف أو تفريق.
لك سيدة المقام، شرف استشهاد فلذة الكبد وقطرة الدم التي سالت على أرض تحقيق الذات، هي النهر الذي سيسقي عروق صبرك، وصبرنا، وهي لمعة الندى على وريقات أشجاننا، وهي الريح التي ستغسل غبار حزننا، وتجعلنا في العالمين، أزهاراً تجدد ألوانها، وتمضي في الوجود حلم الحرية، والتطور والازدهار، وفي المشهد الإنساني، يتألق الوطن قوياً، عفياً، صفياً، نقياً، شديد المراس، لا تكسره جائحة، ولا تعرقله جانحة، أنه الوطن الذي ترفعه أكتاف أبنائه، وتسير به في ميادين الحياة، كما هو الطير في المعالي منازله، كما هو الضرغام في الشموخ موائله. 
فلك سيدة المقام الأول، لك التاريخ يبصم بجرأة، ويقول: «إنك.. وإنك في الدنا شجرة، ومن بين أعطافك كانت بذرة الأمل، وكانت سمو بلادي، وكانت المنهل».