مرّت ذكرى استقلال لبنان السابعة والسبعون كغيمة صيف، أو كذكرى «ضيف غريب» أُغلقت دونه الأبواب والنوافذ والساحات، حتى الاحتفالات الرمزية بها ألغيت، واستُبدلت بوضع أكاليل زهر على ضريح شهداء الجيش اللبناني، أكاليل زهر قلنا؟ وكأنما ترمى أيضاً على لبنان الذكرى.. وكأن إكليلاً آخر ليس به ورود ورياحين أُلقي على احتمال تأليف الحكومة، ترافقه محاولة تغيير قانون الانتخاب من قبل ما يزعم أنه «محور المقاومة والممانعة»، كابتزاز أو كتهديد لفئة لبنانية.. فمَن تصور لبنان دائرةً واحدةً، تنسحق تحتها أقليات مسيحية وأخرى غير مسيحية؟! 
أهي من مصادفات «التاريخ» أو الجغرافيا أن ينفجر المرفأ المُخزّن بنيترات الأمونيوم بمناسبة الذكرى المئوية لقيام لبنان الكبير؟ كأن كل هذه الممارسات هي إشارات رمزية أو مباشرة لنهاية هذا «اللبنان» المصادَر منذ خمسين عاماً، من وصايات واحتلالات عربية وإسرائيلية. فماذا يُستشف من كل ذلك؟
تبدأ الأمور بتركيب نظام أمني مشترك من «حزب الله» وتيار الرئيس الحالي ميشال عون، يهدد الحريات العامة، بما فيها حق التظاهر والتعبير، وقمع تظاهرات الحراك بشدة مفرطة، وإلغاء ما يسمى قانون المطبوعات الذي يمنع توقيف أو محاكمة أي صحفي أو كاتب، ليُستبدل بتوقيفات وإحالات على المحاكم العسكرية والأمنية، وهذا يعني قمع كل اعتراض على أي إجراء تقوم به السلطة الثنائية (عون – و«حزب الله») حاضراً أو مستقبلاً، حتى الاعتراض على سلاح «حزب الله»، أو هيمنته على مفاصل الدولة، من قضاء وأمن واقتصاد وعلاقات خارجية. نضجت استراتيجية تغيير وجه لبنان، بنظامه المالي، البرلماني، العربي، المنفتح، بوجه آخر يتمثل بمحاولة ضمه نهائياً إلى مشروع «محور المقاومة والممانعة» أي إلى نظام ولاية الفقيه؟
كلنا نعرف أن إيران نفسها قد صرّح مسؤولون فيها بأن لبنان هو الولاية الرابعة والثلاثون لنظام الملالي، وأن هذا الأخير بات عنده موقع استراتيجي عسكري في جنوب لبنان: أي جزء منه مضموم مادياً، أو عملياً إلى «حزب الله»، كأن هذه الإشارات باتت اليوم وكأنها تكاد تكون شاملة، لا تقتصر على منطقة أو بيئة حاضنة لهذا المحور، بل تشمل كل لبنان. ويرى محللون، أن محاولة قرض الدولة اللبنانية بالتقسيط من قبل «حزب الله» تتوسع لتضُم كل لبنان، وكأنه صار منطقة استيطانية أو مربعاً أمنياً لهذا المحور. بل يرى بعضهم، أن محاولة تغيير القانون الانتخابي الحالي باعتماد لبنان دائرة واحدة، بقاعدة النسبية، هو من المراحل الحاسمة للاستيلاء على كل المكونات والمؤسسات البرلمانية، والحكومية، والأمنية، والقضائية.. بتواطؤ وتبرير من التيار العوني. بل هناك مَن يفسر عرقلة تأليف الحكومة، ورفض مشروع الرئيس ماكرون ليس مجرد «انتظار» نتائج الانتخابات الأميركية، أو بلورة سياستها بمجيء بايدن، بل لترك لبنان ينهار كلياً، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، ليسهل افتراسه ونسف صيغته والانقلاب على تاريخه وتوازناته الطائفية والجيو سياسية والاجتماعية وتشجيع الفساد.. وما ممارسة ذلك من قبل «الطبقة الحاكمة» سوى لإحداث مزيد من التدهور وتصوير أن لبنان بالتركيبة الموجودة قد فشل، ويجب تغييره، خصوصاً حياده المعروف عن الشرق والغرب، لضمه نهائياً إلى المحور الآخر.. غير العربي.
وبعيداً من أرومته العربية التاريخية، أي عزله عن محيطه، وعن العالم، بغية تسهيل الانقلاب المضمر أو السافر.
هل تنجح هذه الاستراتيجية؟ كل ذلك محكوم بقضية مواجهة اللبنانيين والعالم لهذه المؤامرة الكبرى، وخصوصاً في عهد بايدن!