كثير سيءٌ وقليلٌ جيدٌ يحدث في العراق. فالقتل لم يزل مستمراً، وصناعة الفوضى باتت عمليةً احترافيةً لدى بعض التيارات الشيعية المتطرفة، والغريب أن احتجاجات العراقيين تنشط في مناطق المكون الشيعي. وهي في الوقت نفسه المناطق التي تنشط فيها صناعة الفوضى والإرهاب.
من الكثير السيئ تفشت مقاتل العراقيين بشكل يكاد أن يصبح أمراً عادياً لدى الكثيرين فلم يعد مقتل عراقيٍ حدثاً تهتز له العراق والمنطقة ويخشى من مغبته الخصوم بل لقد أصبح بعض العراقيين يتفاخر بقتله المستمر لعراقيين آخرين باسم الدين والطائفة والمذهب، وباسم أيديولوجيا الإسلام السياسي وميليشياته الدموية.
ومن الكثير السئ فقدان الدولة لهيبتها وباسم أحزابٍ سياسيةٍ دينيةٍ تشارك في تشكيل الحكومات لا من أجل دولة مستقرةٍ ومستقلة ذات سيادةٍ تفرض هيبتها على كامل أراضيها بل على العكس فهي تشارك لتضمن نشر الفوضى والتكسب من الفساد وإضعاف قدرة الحكومة على العمل والنجاح وفرض الميليشيات الإرهابية على الجميع حكومة وشعباً وفرقاء سياسيين.
بغداد كانت عاصمة الخلافة العباسية في ذروة قوة الدولة الإسلامية وكانت مصدر إشعاعٍ حضاري للعالم في وقتها، كانت تغص بالعلماء من كل فنٍ وبالأدباء والأطباء والشعراء والمتخصصين وكانت دور الترجمة لا تتوقف وسوق العلم قائمة وتجارته رائجة ولا يشبه السوء الذي وصلت إليه سوء دمارها حين أحرقها التتار في نهاية الدولة العباسية.
ومن السئ الكثير انتشار الطائفية والمذهبية والعرقية وغيرها من عناصر التخلف الحضاري والإنساني كمعيارٍ للحكم على البشر بالخير والشر، بالحق في الحياة أو وجوب الموت، هكذا يجري في القرن الحادي والعشرين وهي قصة طويلة في العراق الجريح الذي لم يشف بعد من كل المآسي التي تكالبت عليه.
ومن القليل الجيّد في العراق اليوم أن ثمة محاولات جادةٍ من الحكومة للتواصل مع عمق العراق الحقيقي في العالم العربي ومع السعودية تحديداً الدولة القائدة والرائدة للعالم العربي، والدولة القائدة والرائدة في السياسة والاقتصاد بشهادة العالم، وبرغبة صادقةٍ عبّر عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعباراتٍ واضحةٍ وحميمية تداولتها كل وسائل الإعلام العربية.
فتح معبر عرعر الحدودي السعودي مع العراق ينبئ بفتح صفحةٍ جديدةٍ بين العراق والعالم العربي دولاً وشعوباً وهو يمثل رغبة قويةً لدى كل الشعوب العربية بعودة التواصل مع العراق شعباً وحكومةً ودولةً. فقد آن الأوان أن يبتعد العراق عن كل من لم يرد له الخير منذ ما بعد 2003 وإلى اليوم. وهي الرغبة التي عبّر عنها الشعب العراقي بكل قوةٍ في مظاهراتٍ واحتجاجات ٍاستمرت لأشهرٍ طويلة، وقُتل فيها الكثير من شباب العراق ورجاله ونسائه، وأصيب فيها الآلاف. وعلى الرغم من كل الصعوبات والتحديات والعوائق والعراقيل إلا أن منطق التاريخ يحدثنا أن هذا الشعب القوي سيحصل يوماً على مبتغاه، وسيجد أذرع أهله وعمقه العربي مفتوحة له في كل وقت.
هذا التواصل السعودي العراقي الجديد ستستاء منه جهاتٌ لا تريد للعراق ولا للعالم العربي أي خيرٍ أو مصلحةٍ أو تعاون، ولولا التوتر الجاري في ظل عدم حسم نتائج الانتخابات الأميركية، ودخولها في مرحلة شبه انتقالية لمدى شهرين تقريباً، وخشية بعض الأطراف من ارتكاب أي خطيئة لمعارضة هذا التواصل حتى لا تثير غضب أميركا في لحظة مضطربة لكانت ثمة عمليات إرهابية بشعة.
أخيراً، فلم تنقطع صلات دول الخليج والسعودية بالعراق، بل ظلت تدعم العراق بكل ما استطاعت، وحسبما تسمح الظروف والمعطيات ولكن فتح المعبر الحدودي البرّي مع السعودية هذه المرة يوحي بتغيير كبير يسعد له كل العرب.