هل هناك هدية أميركية لـ«طالبان» تنذر بمزيد من الحرب والقليل من السلام؟ هذا هو ما يحمله قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ في الآونة الأخيرة، الخاص بتعجيل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان لمفاوضي الحكومة الأفغانية في محادثات السلام المتعثرة. فمتمردو «طالبان» يتحدثون عن السلام، لكنهم يواصلون القتال. وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، في الثالث من نوفمبر، غرد الرئيس ترامب على تويتر قائلاً: إن كل القوات الأميركية- بما فيها تلك التي في أفغانستان- التي تعمل ضمن قوة حلف شمال الأطلسي (ناتو) ستعود إلى الديار بحلول الكريسماس. ثم، وبعد أسبوع، أقال الرئيس ترامب وزير الدفاع، مارك اسبر، الذي عارض تقليص القوات، وأعلن البنتاجون يوم 17 نوفمبر أن عدد الجنود المتبقين الذين بلغ عددهم 4500 جندي أميركي في أفغانستان سيتم تقليصهم إلى 2500 جندي بحلول 15 يناير، أي قبل خمسة أيام فحسب من تنصيب الرئيس المنتخب، جو بايدن. 
وهذا يمثل أحدث مثال على مدى تأثير الجدول الزمني للسياسة الأميركية على ساحة المعارك بالنسبة للأفغان. وأحياناً تكون التأثيرات ضارة، منذ أن حلت الحرب بأرضهم بعد إطاحة الولايات المتحدة الأميركية بـ«طالبان» و«القاعدة» في نهاية عام 2001 بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. أما بالنسبة للبعض فهذا القرار يمثل محاولة متعجلة لإنهاء أطول حروب أميركا على الإطلاق، قد تكون وخيمة العواقب على مستقبل أفغانستان. 

وترى «فوزية كوفي»، العضو في وفد الفريق الحكومي المفاوض، الاستعجال الأميركي لا يدعم العملية وهذا مثير للقلق. ذكرت «كوفي» التي أصيبت بجروح في محاولة اغتيال في كابول قبل أربعة أسابيع من بدء المفاوضات بين الأفغان في 12 سبتمبر، أنه كان يجب إجراء الانسحاب بطريقة ملائمة تساعد على تقليص العنف. وترى السيدة كوفي، وهي مشرعة سابقة وناشطة في مجال حقوق المرأة وشاركت في المحادثات مع «طالبان» منذ العام الماضي، أن التأكيد الأميركي الجديد على الانسحاب بسرعة أدى إلى اعتقاد «طالبان» بأنهم بصرف النظر عن فوزهم على طاولة المفاوضات، فسيفوزون في ساحة المعركة، ولذا سيحاولون «تأجيل تحقيق أي شيء ملموس على طاولة المفاوضات». 

وعبر «الناتو» أيضاً عن مخاوفه العميقة. وذكر «ينس شتولتنبيرج» الأمين العام للناتو في بيان: «إننا في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاماً، ولا حليف في شمال الأطلسي يريد البقاء أكثر من اللازم. لكن في الوقت نفسه، ثمن المغادرة قبل الأوان أو بغير تنسيق قد يكون باهظاً للغاية». وحذر شتولتنبرج من احتمال أن تصبح أفغانستان مرة أخرى ساحة للإرهاب الدولي ولتدبير هجمات انطلاقاً من أراضيها. 
وفي فبراير الماضي، بعد عام من المفاوضات بين الولايات المتحدة ومتمردي طالبان، وقع الجانبان صفقة. والاتفاق يقايض انسحاباً كاملاً لقوات الناتو وأميركا بحلول نهاية أبريل المقبل- بالإضافة إلى الإفراج عن خمسة آلاف معتقل سياسي طالباني كبداية- مقابل وعود من «طالبان»- المسيطرين أو لهم نفوذ على أكثر من نصف البلاد- بمنع استخدام الأراضي الأفغانية في هجمات المتشددين في الخارج، وأيضاً بالمشاركة في محادثات داخلية بين الأفغان يكون فيها وقف إطلاق النار ليس إلا بنداً في قائمة الأولويات. وتحدث الأميركيون عن انسحاب مشروط، وأن «طالبان» التزموا سراً بتقليص 80% من أعمال العنف. والتزم الأميركيون بجدول انسحاب تدريجي، وتسارع هذا الجدول الآن، لكن «طالبان» صعدوا العنف على امتداد البلاد، في هجمات تمخضت عن قتل آلاف الأفغان ونزوح عشرات الآلاف. ووبخ المسؤولون الأميركيون «طالبان» على «السيارات الملغومة والقنابل البدائية والقتل الاستهدافي»، للمدنيين، لكن الأميركيين لم يبطئوا وتيرة الانسحاب. 
وذكر مسؤول غربي في كابول، اشترط عدم نشر اسمه، أن «طالبان» شعرت بقلق شديد بسبب خسارة ترامب لعلمهم برغبته الشديدة في الانسحاب. وهناك تقارير مفادها أن أحد الأسباب التي أدت إلى إقالة وزير الدفاع السابق، اسبر، هو مذكرة سرية عارض فيها سحب المزيد من القوات مع تصاعد هجمات «طالبان». ويرى الجنرال المتقاعد جون آلان، القائد السابق للقوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان حتى عام 2013، أن قرار الانسحاب سياسي الطابع لأنه بلا فائدة عسكرية أو استراتيجية منه. 

ودأب زعماء «طالبان» على التعبير عن رغبتهم في التوصل لحل تفاوضي شامل لإنهاء الحرب.

ويرى «مايكل سيمبل»، الخبير في الشأن الأفغاني بجامعة كوينز في بلفاست، الذي عاش وعمل في البلاد لسنوات، أن «طالبان» حاولت تصعيد عنفها وليس تقليصه لتحقيق مكاسب، مع تفادي إعلان انتهاكها للصفقة. ويعتقد سيمبل أن تعجيل الولايات المتحدة بالانسحاب يمثل مكافأة لانتهاك «طالبان» للبنود وليس عقاباً و(لذا يقل احتمال أن تتمكن الولايات المتحدة من دفع «طالبان» نحو اتفاق تفاوضي). 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»