برفقة عدة نسوة، على رأسهن د. فادية كيوان مدير عام منظمة المرأة العربية، شاركت في حلقة نقاشية عميقة بثها راديو «مونت كارلو» يوم الثلاثاء الفائت، دارت حول موضوع «المرأة العربية والعمل السياسي». أتت الحاضرات، وهن برلمانيات من مصر والمغرب والجزائر والعراق وتونس، على ذكر كلام جيد حول ما يعيق تقدم المرأة في العمل العام، متكئات على العوامل التقليدية التي نسمعها دوماً، عن دور «الثقافة الذكورية» و«التصور الديني المغلوط»، والمتاعب الاجتماعية الملقاة على عاتق النساء، والسياق المشبع بقيم وأفكار تقليدية تقود إلى تهميش المرأة، ومنظومة القوانين.. إلخ. وهي كلها عوامل معروفة ومفهومة، ولا يمكن إنكارها، لكن تكرارها على هذا النحو لا يجعلنا قادرين على الوصول إلى حل سريع نسبياً لهذه المعضلة، لأن فرص تغيير هذه الأسباب تحتاج إلى وقت طويل.
لهذا، عمدت في مداخلتي على إضافة عناصر أخرى، لابد من أخذها في الاعتبار، بل من الضروري أن يحدث هذا، لأن تأثيرها مباشر على تهميش المرأة في الحياة السياسية العربية، بل العالمية، لكن بنسب ودرجات متفاوتة. ومن بين هذه العوامل:
أولاً: عدم ثقة المرأة في بنت جنسها أو نوعها. ففضلاً عن قلة النسوة اللائي يتقدمن للعمل العام، فإن المبادِرات منهن والمترشحات لأي انتخابات، بدءاً من الأندية الرياضية وحتى البرلمانات والرئاسة، مروراً بالنقابات والجمعيات لا تحظين بتصويت مفرط للنساء، رغم مشاركتهن الواسعة في عملية الاقتراع، متفوقات على الرجال في هذا مرات كثيرة.
ثانياً: ضعف وجود المرأة في المؤسسات التي تنتج النخبة السياسية البرلمانية والوزارية العربية أو ما دون هذا قليلاً، وهي المؤسسة العسكرية والشرطية والقضاء والأحزاب السياسية والهيئات الاقتصادية والثقافية البارزة والتكوينات الاجتماعية التقليدية، حيث إن أغلبها يسيطر عليها الرجال، إما بحكم طبيعة المهمة والتاريخ المؤسسي، أو ما تواتر عليه الفعل في القرنين الأخيرين خصوصاً. أما بالنسبة للمؤسسة الجامعية، فحتى إنْ كان حضور المرأة فيها كبيراً، فهي ممزقة بين التدريس وما عليها من أعباء حيال أسرتها، وبذا لا يتوافر لديها وقت كافٍ لعمل عام.

ثالثاً: هناك تأثير عن بعد للثقافة العالمية برمتها حيال الدور السياسي للمرأة، يتفاوت من مجتمع إلى آخر، فالمرأة لم تأخذ كامل حقوقها السياسية حتى في المجتمعات الديمقراطية. فمثلاً، لم تتول امرأة حتى الآن رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، والنساء اللائي تقدمن إلى القيادة مثل تاتشر في إنجلترا وميركل في ألمانيا، ينظر إليهن، حتى في الثقافة الاجتماعية الغربية نفسها، باعتبارهن مختلفات، وليس أدل على هذا من إطلاق وصف «المرأة الحديدية» على الأولى، وكأن المخيلة أو العقل الجمعي أضاف إليها شيئاً صلباً من الطبيعة ليجعلها لائقة لمنصبها، أما ميركل فيتم التعامل معها كقديسة، أي امرأة زاهدة في أداء دورها الأنثوي، وفق الثقافة نفسها.
رابعاً: هناك من يزيح المرأة تحت دعاوى أنها قد خُلقت لأداء دور حياتي معين، وفيه تتميز عن الرجل، ثم تتكامل معه ولا تصارعه. وهذا فيه قدر من الصواب لكنه يتعلق بالمهنة، أو التخصص وتقسيم العمل، أحياناً، لكن الدور العام لا يجب أن تكون فيه تفرقة على أساس النوع.