الأشخاص الذين لا يتقاسمون الحقائق لا يستطيعون هزيمة الوباء، ولا يستطيعون الدفاع عن الدستور، ولا يستطيعون طي الصفحة، والانتقال إلى مرحلة جديدة. واليوم، وفي الولايات المتحدة، أصبحت الحرب من أجل الحقيقة حرباً من أجل الحفاظ على ديمقراطيتنا. والحال أنه من المستحيل الحفاظ على مجتمع حر عندما يشعر الزعماء وناشرو الأخبار بالحرية في نشر الإدعاءات من دون عقاب. فمن من دون حقيقة، ليس هناك أي طريق متفق عليه للتقدم إلى الأمام؛ ومن دون ثقة، من المستحيل سلك ذاك الطريق معاً. 
ولكن حفرتنا الآن عميقة جداً لأن الشيء الوحيد الذي آمن به الرئيس دونالد ترامب، هو: «ينبغي ألا يقبض عليك». غير أنه في الآونة الأخيرة توقف ترامب والمحيطون به عن الإيمان حتى بذلك.
 الحقيقة تُلزم المرء، وترامب لم يرد أبداً أن يكون مُلزماً -ليس في ما يستطيع أن يطلبه من الرئيس الأوكراني، أو يقوله حول فيروس كورونا، أو حول نزاهة انتخاباتنا. 
ولكن علينا أن نحرص على ألا يتكرر هذا المنطق أبداً في الحياة السياسية الأميركية. لأن ترامب لم يحرّر نفسه من الحقيقة فقط، بل حرّر الآخرين لينشروا أشياء غير حقيقية، ويحصدوا الثمار. فزعماء حزبه لم يكترثوا، طالما أنه يبقي على القاعدة الانتخابية متحمسةً والتصويت أحمر. وقناة «فوكس نيوز» لم تكترث، طالما أنه يبقي على مشاهديها ملتصقين بالقناة ونسبة مشاهدتها مرتفعة. والشبكات الاجتماعية الرئيسية لم تكترث عموماً، طالما أنه يبقي مستخدميها نشطين على الإنترنت وأعدادهم في تزايد. كما أن الكثير من ناخبيه -حتى الإنجيليين- لم يكترثوا، طالما أنه عيّن  قضاة مناهضين للإجهاض، فهم «مؤيدون للحياة»، ولكنهم ليسوا مؤيدين دائماً للحقيقة. 
ولكل هذه الأسباب، بات الكذب صناعة جد مزدهرة: «مبيعات السيارات والسلع المعمرة انخفضت بـ10 في المئة في الربع الأخير، ولكن الكذب نما بـ30 في المئة، وخبراء الاقتصاد يتوقعون أن تتضاعف صناعة الكذب في 2021».
والخطر الآن يكمن في أن استخدام الأكاذيب قد يؤدي إلى تدمير ديمقراطيتنا، عبر الطعن في شرعية واحدة من أعظم لحظاتها على الإطلاق -عندما خرج عدد قياسي من المواطنين من أجل التصويت، وأُحصيت أصواتهم بشكل شرعي، وسط وباء فتاك ومتزايد. والواقع أن ما يفعله ترامب وحلفاؤه حالياً خطير جداً على نظامنا الدستوري، ولكن المرء سيحزن أكثر حين يعرف عدد أتباعه الكثر الذين يؤيدونه في ذلك.
زميلي السابق في صحيفة «نيويورك تايمز» ديفيد كي. شيبلر، الذي كان يعمل في مكتبنا في موسكو خلال الحرب الباردة، قال لي: «إن الأكاذيب لا تنجح إلا إذا صُدقت، ونصف الجمهور الأميركي تقريباً أثبت أنه ساذج بشكل لافت»، مضيفاً: «أفكر في الأمر كما لو أن لدى كل واحد منا منبّهاً خاصاً به، وكما لو أن نصف بطاريات تلك المنبهات قد نفدت. فالكثير من التغريدات حول نظريات المؤامرة التي تتم إعادة إرسالها على تويتر، غير معقولة بالطبع. ولكن لماذا يصدق عدد الكبير من الناس؟ لست واثقاً من أن ذلك مفهوم بشكل كامل». 
ولهذا، من المهم جداً أن تتبنى كل مؤسسة إخبارية مرموقة -وخاصة التلفزيون وفيسبوك وتويتر- مقاربة تتمثل في ما إذا تلفظ أي مسؤول بكذبة واضحة أو ادعاء خال من الحقائق، فإنه ينبغي إنهاء المقابلة بشكل فوري، تماماً مثلما فعلت العديد من الشبكات التلفزيونية، خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما تبعها من سجال، عندما حضروا مؤتمراً صحفياً حافلاً بالمغالطات، الذي عقده ترامب عقب الانتخابات الأسبوع الماضي. وإذا صاح المنتقدون: «الرقابة!»، فينبغي أن نصيح «الحقيقة!». 
يجب أن يصبح هذا الوضعَ العادي الجديد. إذ ينبغي أن يخشى السياسيون، في كل مرة يظهرون فيها على التلفزيون، قطع البرنامج الذي يظهرون فيه، إن سوّلت لهم أنفسهم طرح أمور بعيدة عن الحقائق. وفي الوقت نفسه، علينا أن نُلزم كل مدرسة في أميركا، من مرحلة الروضة إلى التعليم الثانوي، بإدراج «التربية الرقمية»، أي كيف تعرف ما إنْ كان الشيء الذي قرأته على الإنترنت صحيحاً، وتتحقق من صحته، ضمن مناهجها التعليمية. وينبغي ألا يكون المرء قادراً على التخرج من دونها. 
 وعلينا السعي وراء الحقيقة، والقتال من أجل الحقيقة، والطعن في قوى التضليل والتغليط من دون رحمة. إنها معركة الحرية بالنسبة لجيلنا.


*كاتب وصحافي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»