تحتفل دولة الإمارات بعد أيام بالذكرى 49 لتأسيس الاتحاد، مناسبةٌ جديرة بمثل هذا الفرح، خاصة وأن هذه الذكرى تقودنا إلى احتفالات الخمسينية العام المقبل.
ويأتي احتفالنا في سنة عصيبة لا مثيل لها في الذاكرة الحالية، سنة الكوفيد والكورونا والكمامات والمسحات واللقاحات والتباعد الاجتماعي، سنة لا نزال نعيش تحدياتها وتداعياتها، والتي لم تنجلِ بعد. وندرك بكل وعي أنّ هناك صعوباتٍ وعراقيل على طريق التعافي العالمي، والعودة إلى الحياة الطبيعية، فرغم النجاح الباهر لمنهجية الإمارات في التعامل مع جائحة كورونا والتوازن الموفق بين الإجراءات الاحترازية وتسهيل الحياة الطبيعية، إلاّ أنّ المصداقية تفرض أن نقول إننا جزء فاعل من هذا العالم وتَأثرنا كما تتأثر الدول الأخرى بفعل هذا الوباء العالمي.
ولا يسعنا هنا إلاّ أن نشيدَ ونثمّن دور كوادر القطاعات الصحية والعاملين على الخطوط الأمامية في تنفيذ خطتنا الوطنية في التعامل مع هذا التحدّي غير المسبوق.
ومع الإقرار بصعوبة العام 2020 إلا أن الروح والإرادة التي بنت الاتحاد كانت حاضرة، روح الطموح والإنجاز، وإرادة العمل الجاد تجاه بناء الدولة العصرية والمجتمع المتمكن، فسنة 2020 ورغم الصعوبات الاستثنائية التي طبعت معالمها إلا أنها ومن الواقع الإماراتي، وعبر أي مراجعة صادقة، تحمل في ثناياها البصمة الوراثية لدولة الإمارات، والإرادة الواضحة بأننا نعزّز موقعنا الإقليمي، ومن خلاله حضورنا الدولي.
وفي هذه السنة الصعبة، وجدنا أنّ تكاتف القيادة والمواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة كان مثالاً يحتذى به، معزّزاً التزامنا المجتمعي تجاه التصدي لهذه الجائحة واحتواء تداعياتها.
ففي تعامل الدولة ومنهجيتها في مواجهة جائحة كورونا أسوة ببقية دول العالم واجهنا تحدياً مستحدثاً، وكان مسار التعلم متدرجاً في التصدي لهذا الوباء، وكانت بوصلة منهجية الإمارات تهتدي بالمؤشرات العلمية والطبية، وهي خير موجّه في مثل هذه الأزمات، ورغم أنّ ذلك قد يبدو بديهياً وأن الأولوية هي للتوجهات والمؤشرات العلمية، إلا أنه لم يكن المسار الذي اختارته العديد من دول العالم، فرأينا العجز في العديد من الدول، وكانت النتائج التي تعرفونها. 
ولا بد لي هنا أن أسجّل كلمة تقدير لسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان  مستشار الأمن الوطني، والذي قرأ مبكراً طبيعة التحدي الذي يمثله هذا الوباء عالمياً وانعكاساته المحتملة على دولة الإمارات، وقاد حملة استعداد استباقية طموحة وحملة متابعة مستمرة لا تكل ولا تمل إلى يومنا هذا. وإشارتي هذه من واقع الشاهد الحاضر وخاصة في الأيام الأولى للجائحة، حيث أصبحت هذه التداعيات أولويّته الأولى من خلال إدراك واعٍ للخطورة التي يحملها هذا الوباء بأبعاده الصحية والاقتصادية والاجتماعية. ولا يخفى بعد هذا أنّ سياسة الفحص والمتابعة والاستعداد المبكر، إضافة إلى التعاون الدولي وابتكار الحلول، حققت للإمارات الاستقرار المجتمعي والاقتصادي الممكن في ظروف ممتدة وغاية في الصعوبة، وبرزت كفاءة الدولة ومؤسساتها إبّان هذا الامتحان العسير، وتعززت الثقة لدى الجمهور العريض من المواطنين والمقيمين وهي الثقة التي تمتحنها الأزمات والخطوب.
نعم، إنّ كفاءة مؤسسات الدولة اختبرت حول العالم، ولم تسلم أي دولة من هذا الامتحان العصيب، فسقط من سقط ونجح من نجح، وبدا واضحاً أن كفاءة المؤسسات لا ترتبط بأيديولوجيا الدولة أو طبيعة نظامها السياسي، وهل هي ديمقراطية أم تقليدية أم جمهورية أم ملكية، بل كان المحدد الأساسي هو الأداء، وقدرة المؤسسات على تنفيذ توجيهات القيادة، إضافة إلى الآليات المستخدمة، وثقة الرأي العام، ومرونة التعامل مع خطر مستجد لم تتضح معالمه من البدايات.
وإذا كان هذا هو عام كورونا بامتياز، فهو ليس بعام كورونا حصراً وهو الذي أرادته الإمارات وطوّعته في اختبار نادر لإرادة القيادة ومتابعتها وإمكانات مؤسسات الدولة وثقة مواطني وسكان الإمارات.
عام 2020 كما أنّه عام كورونا، فهو عام المحطات العلمية للدولة، فهو عام مفاعل براكة، وعام مسبار الأمل، وعام المسار العلمي الطموح رغم الجائحة وما تفرضه من قيود عملية ونفسية.
وفي كل هذا دروسٌ تبشّر بالخير. وتطويع الأزمات عبر إنتاج الفرص، وبرهانٌ على أنّ الإمارات تراهن على العلم وهي على مشارف عيدها الخمسين لتحقّق النقلات الخيّرة التي ميّزت ما سبق، وستضيف إلى تفاؤلنا بالمستقبل وإلى قدرتنا على صناعته وتشكيله.
وعلى الصعيد السياسي، كان عام الاتفاق الإبراهيمي، وهي الخطوة الجريئة التي تلقّفها العالم بكل إيجابية مدركاً ما تعنيه من خلق واقع استراتيجي جديد يحمل في ثناياه الفرص والأمل والسلام، فهذا الاتفاق يكسر حالة الركود الاستراتيجي الذي أضرّ بالمنطقة، ويحمل في متونه فرصة لا بدّ من استغلالها لتحقيق السلام المنشود ومعه الاستقرار والازدهار الذي كان عصيّاً على المنطقة طوال عقود. وبالتالي، في سنة يتوقع المرء أن تكون سنة ترقّب وتقوقع وحذر، اختارت الإمارات أن تستمر في انطلاقتها، وتكسر القوالب المرتبطة بمنطقتنا المأزومة، وأن تفكر استراتيجياً، وفي المستقبل. وبرغم أن للحسابات الاستراتيجية منطقها وأخطارها وتحدياتها إلا أنها تخلق مناخاً جديداً، وتخلق رياحاً لا بدّ منها لإعادة الأمل في الحياة وفي المستقبل. وبطبيعتها تساهم الخيارات الاستراتيجية في استبدال مقاربات لم تنجح في تحقيق أهدافها بمقاربات أخرى تفتح الأمل والآفاق مجدداً، وتخلق فرصاً قد ينتج عنها تغييرٌ في البيئة الاستراتيجية، والمنطقة بلا شك في حاجة إليه.
ونحن نقترب من الاحتفال بالخمسين يحق لجيلنا والجيل الحالي أن يفخر ويسعد بما تحقق، دولةٌ حديثة لم يعطها المراقبون المطلعون في البدايات فرصاً كبيرة في الحياة والاستمرار تبرزُ عبر الطموح والعمل وحسن التدبير لتكون قوة اقتصادية معتبرة ونموذجَ النجاح الأول في المنطقة. دولةٌ عربية مسلمة عصرية في أنظمتها تمثّل نموذجاً لقصّة نجاح في منطقة أحوج ما تكون لقصص النجاح. وإنجازات هذا العام الصعب ما هي إلاّ محطات على طريق الخير.
ومن هذا المنطلق، فإن الاحتفال المقبل بالخمسين فرصة مستحقة للاحتفال بالإنجاز رغم وعورة الطريق وصعوبة التضاريس، كما أنها مناسبة للجيل الحالي والذي يحمل الراية بأن يطلع على طبيعة الإرث الخيّر الذي أرساه المغفور لهم بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه الشيوخ المؤسّسون رحمهم الله جميعاً، وثقتنا في منهج الإمارات وقيادتها الرشيدة التي تسير على خُطاهم الخيّرة تحت راية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة وإخوانهم أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات،  قوية صلبة، وإيماننا في حكمة وإرادة قيادتنا السياسية راسخٌ كالجبال الرواسي.