شكل الرئيس الأميركي المنتخب فِرقاً لإعادة النظر في الوكالات مكلفةً بفهم العمليات في الإدارات البيروقراطية المختلفة في الحكومة. وهذه التعيينات، وهي في إطار الاستعداد لانتقال السلطة، تقدّم بعض الدلائل عن الطريقة التي قد يحكم بها بايدن. وفي مسألة السياسة الاقتصادية، يعتزم بايدن فيما يبدو أن يمنح نفوذاً لجيل أصغر سناً من الاقتصاديين التقدميين أصحاب العقلية التجريبية الذين ينظرون بطريقة براجماتية في التصدي للركود وعدم المساواة. وفريق إعادة النظر الذي اختاره بايدن لمجلس المستشارين الاقتصاديين يتألف من ثلاثة اقتصاديين هم مارتا جيمبل وهي تنتمي إلى مؤسسة شميت فيوتشرز الخيرية، ودامون جونز من مدرسة هاريس للسياسة العامة في جامعة شيكاجو، وجاي شامباه من جامعة واشنطن. وشامباه لديه أكبر خبرة في العالم في الحكومة وصناعة السياسة وقد خدَم مرتين في مجلس المستشارين الاقتصاديين خلال رئاسة باراك أوباما وعمل مديراً لمشروع هاملتون التابع لمؤسسة بروكينجز. ورغم أن بحثه الأكاديمي يتناول التجارة وسعر الصرف، لكنه كتب في عدد كبير من قضايا السياسة الكبرى مثل جائحة «كوفيد - 19» وزيادة الأجور وأدوات تحقيق الاستقرار التلقائية وتغير المناخ، وغيرها كثير. وكتب جونز، وهو الأكثر أكاديمية في المجموعة، أوراقاً بحثية في طائفة واسعة من برامج السياسة العامة بما في ذلك التعليم والدخل الأساسي والتأمين الاجتماعي وخطط التقاعد والخصومات الضريبية. وأنفقت جيمبل معظمها مشوارها المهني في القطاع الخاص وانصبّ تركيز عملها على الوظائف والتوظيف. 
وتشكيل الفريق يشير إلى الاتساع الهائل من التحديات التي ستواجهها إدارة بايدن. ومازال كوفيد - 19 متفشياً والكساد الذي تسبب فيه يهدد بالاستمرار لسنوات بعد الجائحة. وركود الرواتب وتصاعد عدم المساواة وزيادة عدم الاستقرار تلاحق الاقتصاد الأميركي منذ عقود. وخلف كل هذا يتصاعد شبح التغير المناخي المخيف. واختيار أشخاص واسعي نطاق الخبرة مثل شامباه وجونز، يوحي بأن بايدن سيجتهد في التفكير حول كيفية تخصيص رصيد سياسي واتخاذ قرار بشأن المشكلات التي سيواجهها أولا. وضم جيمبل يوحي أيضاً بأن إخراج الولايات المتحدة من الركود الذي تسببت فيه الجائحة سيكون المهمةَ الأولى على الأرجح. 
والفريق ينقل أيضاً إشارات دالة على توجه وأيديولوجية بايدن في السياسة الاقتصادية. فأفراد الفريق من أنصار الحكومة التي تقوم بدور أكبر في التصدي للركود ومعالجة القضايا الأطول أمداً مثل ركود الأجور. وهم ليسوا من الليبراليين الجدد غير المهرة في تسعينيات القرن الماضي الذين كانت تهمُّهم البرامج الموجهةُ والحوافز الذكية والقيود المالية. وهؤلاء الاقتصاديون الذين اختارهم بايدن سيدافعون على الأرجح عن تدخلات كبيرة وبسيطة وقوية. وهذا النهج يعكس اتفاقاً جديداً في الآراء في يسار الوسط، وهو إدراك أن التعديلات الطفيفة لن تفلح في التصدي للتحديات الكبيرة للقرن الجديد. 
لكن الفريق يسترشد بالتجارب. فعلى خلاف كثير من اليساريين الذين تهتدي مواقفهم بمزيج من نظرية عليا ونقاء أيديولوجي، فإن هؤلاء الاقتصاديون براجماتيون وتحركهم البيانات فحسب، وهم لا يمثلون رفض اقتصاديات التيار العام الذي يفضِّله اليساريون، بل يمثلون تحولاً داخل العقيدة العامة، أي الانتقال بعيداً عن نظرية السوق الحرة نحو التحليل التجريبي الذي أظهر فعاليةً، في كثير من الأحيان، خلال التدخلات الحكومية. 
وهناك ما هو أكثر من التعيينات الانتقالية في مجلس المستشارين الاقتصاديين لفهم توجّه بايدن في السياسة الاقتصادية مع وجود فِرق تقيم وزارة الخزانة ومكتب الإدارة والميزانية ومكتب الممثل التجاري الأميركي وغيرها. ومن الصعب التوصل إلى استنتاجات عن أشخاص لهم مثل هذه الطائفة الواسعة من الخلفيات، من الشركات التكنولوجية إلى الجهات التنظيمية إلى المجال الأكاديمي، لكن الاختيارات تشير على الفور إلى مزيج من البراجماتية والتقدمية. 
وهناك إشارات أخرى قليلة متفرقة. فالفريق التجاري يتضمن براد ستسر، الاقتصادي في مجلس العلاقات الخارجية، الذي هاجم دون كلل عدم التوازن التجاري والتلاعب بالعملات من المصدِّرين الأجانب. وهذا التعيين يشير بقوة إلى أن بايدن لن يعود إلى اتفاق الآراء حول التجارة الحرة السابق لحقبة ترامب بل سيتّبع نهجاً أشد ضد المنافسة الصينية على الخصوص. واختيار ليلي باتشلدر، المتخصصة في الضرائب، والتي اقترحت نمطاً جديداً مبتكراً للضرائب على المواريث، ضمن فريق وزارة الخزانة، يوحي بأن إدارة بايدن تفكر في فرض ضرائب على فاحشي الثراء بمعدلات أكبر. وهذا النوع من القراءة التكهنية لا يسمح بالإجابة على السؤال بشأن ما سيستطيع بايدن تحقيقه بالفعل. فتحقيق تغيرات كبيرة سيكون مهمة شاقة في ظل احتمال سيطرة «الجمهوريين» على مجلس الشيوخ ووجود عدد من «الديمقراطيين» المحافظين. وفي كثير من الحالات، يُرجح أن يضطر بايدن إلى استخدام الأوامر التنفيذية ضيقة النطاق في التأثير. 
لكن من الواضح أن بايدن سيشرف على نوع جديد من إدارة «ديمقراطية» مستعدة على الأقل لرفع سقف الأهداف وللتفكير في اتخاذ إجراءات جريئة أمام طائفة من المشكلات بدلاً من الاكتفاء بتعديلات طفيفة والكفاءة في الإدارة. وهذا النوع من الإدارة قد يكون أكثر نفعاً للولايات المتحدة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»