إن الاختلاف سنة كونية سامية، لا يمكن التعدي عليها، بل لا بد من التأسيس عليها والانطلاق من الأرضية العالمية المشتركة للتعايش السلمي، وهذا تناغم مع الفطرة الإنسانية السليمة، ثم إنفاذاً وتفعيلاً للمواثيق الدولية الخالصة لتحقيق السلم العالمي، إذ تنعم أغلب دول العالم، بثقل سكاني غني التنوع، جغرافياً وعرقياً ودينياً.. مما يجعلها مناطق ثرية بمكتسبات الخبرة ومقومات النجاح والتطور والنهوض.
لكن خلال العقود الثلاث الأخيرة، وبخاصة في ظل الأزمات، وسعياً إلى تحقيق أهداف «ضبابية»، وُظِف الدِّين توظيفاً سلبياً في تأجيج الصراعات الطائفية الدينية وفي حروب بعض الدول حتى وإن كانت تتبنى أيديولوجيات إلحادية في بعض الأحيان. 
وفي ذات الوقت، جنحت بعض مكونات الطوائف الدينية للمطالبة بالانفصال أو الاستقلال عن الدولة الأم، قناعةً منها بأنه السبيل الوحيد للحفاظ على خصوصيتها الدينية والثقافية والتاريخية، ولتأكيد تميزها على النظام المعرفي والثقافي العام لمجتمعها، فنتج عن ذلك ظهور جماعات مسلحة تنفذ عمليات إرهابية في بعض المناطق، مما دفع الدول للرد على العنف المسلح بقوة السلاح المشروع، وبالتالي الوصول لمرحلة زعزعة منظومة السلم المجتمعي، مما نتج عنه لاحقاً تفشي وباء التطهير على أساس ديني أو عرقي، والذي يعد وصمة عار في زمن عولمة حقوق الإنسان وقيم المواطنة العالمية، كما نتج عن ذلك تكوين صورة مشوهة وقاسية عن الأديان التي تحمل بين كفيها رسالة الوئام والمحبة والأخوة الإنسانية. 
وبالنظر إلى الأزمات التي مرت مثقلةً كاهلَ الإنسان، من حروب وأوبئة أدت إلى دمار وخراب منذ الحرب العالمية الأولى وبعدها، وبخاصة في الوقت الحالي حيث تعاني المجتمعات في مواجهة وباء فيروس كورونا، فإن كل ذلك دفع العالم بقوة، نحو تعديل المسار، وإدارة الدفة نحو الاتجاه الأصح، وحمل مشعل الخير، واستنباط العبر من التاريخ لبناء المستقبل، كما أعادت الأزمة الصحية العالمية، الوازعَ الديني إلى الواجهة؛ فاتجه الأفراد نحو التفكر في طبيعة صيرورة الأحداث، واللجوء للابتهال والدعاء من أجل الخلاص مما يواجه الإنسان من معاناة ومخاطر بسبب هذا الفيروس، وفي الوقت ذاته فقد سمح هذا الظرف للمجتمعات بالتفات أفرادها لبعضهم البعض، ومحاولة تقديم المساعدة والتكاتف، متجاوِزةً بصورة رائعة الفروقات والحواجز الوهمية، التي كانت تفصل بينهم على صعيد العلاقات والمعاملات، لتتكثف الجهود المقدَّمة في سياق تعزيز الحوار بين أتباع الأديان، الجهود الهادفة إلى تحقيق التقارب بين الشعوب وتصحيح المفاهيم المغلوطة وترسيخ ثقافة العيش المشترك، لتنتج عن ذلك قناعات وليدة الوعي الصحيح والخبرة البحتة. 
لقد استطاعت أزمة كورونا أن تلين العقول وتحفّزها على التفكر في طبيعة العلاقات الإنسانية، وتمكّنت بفعل ظروفها وتداعياتها القاسية وغير المتوقعة من استيلاد نظام عالمي جديد، يحمل معه ولادة فكرية أكثر نضجاً، وقناعة عالمية بحتمية التعاون والمشاركة القائمة على خدمة الإنسان ورعاية مصالحه، وضاعفت من الضوء المسلط على الحوار بين أتباع الأديان المختلفة، باعتباره ثمرة لتطور الوعي الإنساني بضرورة التعاون من أجل تعزيز السلم والسلام ونبذ التطرف والكراهية وبناء المستقبل، من خلال تأصيل ثقافة العيش المشترك واحترام الاختلاف، وبخاصة في ظل الصراعات التي عانت منها المجتمعات بسبب الاختلافات الدينية والمذهبية والعقدية، والتي آلت للعدم بعد أن كانت شعلةً ملتهبة، وهو ذات الأساس الذي يدفع للانطلاق نحو تحديد الإشكالية الأكثر دقة فيما تتعرض له المجتمعات من مظاهر عنف وكراهية، وهو أن وجود الخلل متعلق بالحالات «الشاذة» عن الأساس، والتي لا يمكن وأن تعبر إلا عن نفسها؛ فلا ديانة ولا عقل ولا اتزان ولا فكر ناضج يمكن أن يلجأ إلى التحريض، أي إلى ما هو معاكس للفطرة والمصلحة الإنسانية، ومن ذلك فإن النظام العالمي الجديد، هو عالم للإنسان وبه يزدهر. 
وأخيراً، فلا بد مع الميلاد العالمي الجديد، من تشكيل رد إنساني ناضج على كافة المحاولات الرامية لاستهداف الأديان، للصعود عليها أو استغلال رسالتها السامية التي وجدت لصون الكرامة الإنسانية، وإعانة الإنسان على إعمار الأرض، جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان وتحت المظلة الجامعة الموسومة باسم المحبة والتعايش والتعارف، ومن ذلك فلا بد من العمل على إطلاق ورعاية المبادرات الداعمة لقيم السلام والتعايش، والدافعة لترسيخ ثقافة التسامح والسلم والحوار بين الشعوب، من أجل البناء الحضاري.