يُعد لقاح شركة «فايزر»، إلى جانب اللقاحات الأخرى التي من المحتمل أن تأتي بعده، شيئاً جيداً بالنسبة للولايات المتحدة والعالم، إلا أنه من المحتمل أيضاً أن يعيد تشكيل ملامح أميركا بطرق مثيرة للقلق، مقسِّماً المجتمع إلى مستجيبين عقلانيين وغير عقلانيين، وخاصة على المدى القريب. 
المشكلة الأولى ستتمثل في الكيفية التي سيستجيب بها الأميركيون خلال الأشهر القليلة المقبلة، فالمنطق البسيط يشير إلى أنه حين يكون لقاح جيد وشيكاً، فينبغي على المرء التحلي بالحذر، وعوضاً عن إرجاء تلك الإجازة إلى أجل غير مسمى، ما عليك سوى الانتظار إلى حين تلقي اللقاح، وهو ما قد يتم اعتباراً من الصيف المقبل، ونظرياً، يفترض أن يكون هذا تحولاً سهلاً، على اعتبار أن الانتظار لمدة قصيرة أسهل وأقل كلفة من الانتظار لمدة طويلة. 
الكثير من الأشخاص سيكون تصرفهم عقلانياً، لكن كثيرين، بالمقابل، سيخاطرون أكثر، ذلك أنه بينما يصبح سيناريو أميركا ما بعد «كوفيد-19» أقرب، يصبح إغراء الخروج والالتقاء بالناس أقوى، وحينما يبدأ الناس في التفكير بالذهاب للحفلات وارتياد المطاعم الراقية من جديد، فإنهم قد يجدون صعوبة أكبر في مقاومة فكرة القيام بذلك الآن، رغم المخاطر العالية، وبالتالي، فإن الابتهاج الذي يثيره اللقاح قد تكون له بعض التأثيرات السلبية والمخالفة للاعتقاد السائد.
وبالطبع، فإن بعض الأشخاص العقلانيين والمتبصِّرين سيدركون أن بعض الأصدقاء والأشخاص الذين يتفاعلون معهم سيتصرفون بهذه الطريقة الأقل مسؤوليةً، وعليه، فإن الأشخاص الأكثر عقلانية بيننا سيكونون أكثر حرصاً على تجنب الأشخاص الذين لا يثقون فيهم، وكذلك أولئك الذين يشغلون وظائف خدماتية على الخطوط الأولى، وبالتالي لا يستطيعون تجنب الاتصال بهؤلاء الأفراد الأقل مسؤولية، ونتيجة لذلك، سيتقوقع العقلانيون ويعزلون أنفسهم أكثر، وخاصة عن الغرباء والأشخاص المعروف عنهم أنهم غير عقلانيين. 
ثم هناك إمكانية أخرى تتمثل في أن الازدراء الاجتماعي سيَضعُف، والارتباك والتشويش سيسودان لبعض الوقت، فحالياً، إذا قمتَ بالتسوق بدون كمامة أو ركضت على مسار الجري في الحديقة من غير أن ترتديها، فسيُطلب منك أن ترحل أو يُنظَر إليك شزراً، وهذه ردود فعل اجتماعية صحية تساعد على الإبقاء على الفيروس تحت السيطرة. 
لكن، هل سيظل الحال كذلك عندما يتلقى 10% أو 20% من الأميركيين اللقاح؟ ثم إنه بحلول ذالك الوقت، ستكون نسبة عالية من السكان قد أصيبت بكوفيد-19، وبوسعك أن تتخيل أنه بحلول فبراير أو مارس 2021 سيكون 30% إلى 40% من الأميركيين إما قد أصيبوا بكوفيد-19 أو تلقوا لقاحاً مضاداً مناسباً، وسيقوم كثيرون منهم حينئذ بخلع كماماتهم في الأماكن العامة. 
فهل ستميل حينها أنت أيضاً إلى أن تنظر إلى الأشخاص الذين لا يرتدون كمامات شزراً؟ الواقع أن سلوكهم قد يكون مقبولاً ولا يطرح خطورةً على الآخرين، كما أن الأشخاص الملقَّحين سيكونون أقل ميلاً للنظر إلى الأشخاص الآخرين الذين لا يرتدون كمامات نظرةَ إعراض واستهجان، لأنهم لن يشعروا بتهديد، وبعبارة أخرى، إن بعض المعايير المفيدة جداً قد تصبح أضعف في نهاية المطاف خلال الفترة الانتقالية، والأشخاص الذين سيظلون غير ملقحين وغير محصنين يمكن أن يواجهوا مؤقتاً مخاطر أعلى وليس أدنى. 
لكن، ماذا عن ثلاثة أفراد هم أسرة أو أصدقاء ملقحون اقترحوا الذهاب للسينما مع شخص رابع غير ملقح؟ فهل سيقولون «لا» بسهولة؟ الواقع أن إمكانية حدوث هذه الحالات، أي الخوف من المجهول، ستجعل الأشخاص العقلانيين وغير الملقَّحين أكثر عزماً على الحد من اتصالاتهم الاجتماعية، على الأقل لبعض الوقت. 
هذه الأشكال من الفصل والعزل ستتقوى وتزداد بسبب الاعتبارات الاقتصادية المرتبطة باللقاح. ذلك أن لقاح «فايزر» يتطلب تخزيناً في برودة عالية، عند نحو 70 درجة مئوية تحت الصفر، والحال أن العديد من المستشفيات لا تستطيع تحمل تلك النفقات، ونتيجة لذلك، فإن الكثير من المناطق سيصلها اللقاح بشكل أبطأ، وبالتالي، فإن كوفيد-19 قد يستمر كظاهرة ريفية إلى حد كبير. 
لكن، ماذا عن الجامعات والمعاهد؟ فالطلبة من المفترض أن يعودوا إلى الجامعات بحلول فصل الخريف، والجامعات ستطالب بأن يكون كل الطلبة والأساتذة والموظفون ملقَّحين. ولهذا، فإن انقساماً بسبب اللقاح سيتشكل بين الشباب الأميركي المتعلم وغير المتعلم. وبالنظر إلى أنه لا يوجد لقاح فعال بنسبة 100%، فإن العديد من الأميركيين المتعلمين سيظلون رافضين للمخاطرة، وسيتجنبون الاتصال بالأميركيين الريفيين الأقل دخلاً والأقل تعليماً. 
ومن البديهي، بطبيعة الحال، أن سكاناً ملقَّحين جزئياً فقط أحسن بكثير من عدم وجود لقاح على الإطلاق، 

*أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة جورج مايسون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»