استكمالاً لما ورد في مقال الأسبوع الماضي حول استبعاد دعم الإدارة الأميركية الجديدة لجماعة «الإخوان»، والتي تأمل دعماً من الرئيس الأميركي الجديد، رغم الضربة القاصمة التي تلقتها أخيراً عندما وصفهم المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، بأنهم جماعة «ضالة ولا تمت للإسلام بصلة»، وكذلك الإجراءات الحكومية المصرية الأخيرة بتجفيف أبسط منابع الإرهاب، وذلك بوضع تشريعات تجيز عزل موظفي الدولة المنتمين لـ«الإخوان»، في خطوة حكيمة تستهدف تطهير المقرات الحكومية من الخلايا الإرهابية النائمة في الجهاز الإداري للدولة.
في الفترة التي سبقت إخماد حرائق ما يسمى «ربيع العربي»، لم يستطع المراقبون آنذاك منع أنفسهم من التأثر بالأحداث الانفعالية والعواطف والأمنيات، لكن في الوقت الراهن، وبعد مرور سنوات عدة، فإن أصحاب وصناع القرار في الشرق الأوسط سيعكفون على دراسة الماضي لتجنب وقوع الأخطاء السابقة، ففي السياسة والتحولات الاجتماعية لا مكان للأمنيات والأحلام الوردية، لأن شروط ومعطيات التحول والتطور تكون نابعة من المجتمع بالتدريج، رهناً لتحقق القدر اللازم من النهوض الشامل، وبالذات في المجالين الاقتصادي والعلمي، وتبعاً لتوفر أدوات التحول والإمكانيات الثقافية المجتمعية التي يتطلبها، أما الفوضى والعنف فهما لا يحققان أي تغيير نحو الأفضل، وللأسف فقد وقع البعض في مطب التبشير والانفعالات التي كانت ترى في أحداث الفوضى محطة للانتقال إلى مرحلة مثالية للغاية! بعضهم وقع عن حسن نية، والبعض الآخر تقمصته مشاعر الثأر والانتقام وجلد الذات، والانحياز لتيارات بعينها ركبت موجة الثورات، وحاولت اختطافها وسرقتها لخدمة مآربها البعيدة عن مصالح الشعوب والأغلبية من الطبقات الفقيرة.
ولنأخذ إيران كمثال، فعلى الرغم من ديكتاتورية نظام الشاه محمد رضا بهلوي وقمعه للمعارضة والحريات السياسية، إلا أنه -ومن باب الإنصاف- يُحسب له قيامه خلال فترة حكمه بدفع البلاد نحو الحداثة والازدهار الثقافي والاقتصادي، حتى أصبحت من أهم المقاصد السياحية في الشرق الأوسط، وأطلق تغييرات إصلاحية عديدة، وركّز على التعليم وإرسال البعثات إلى أوروبا، وتوفير الخدمات الطبية لكافة أنحاء البلاد، وتوسيع حقوق المرأة.. حتى أصبح الشعب يتبّع المعايير الغربية في كافة مناحي الحياة، وهذا ما لم يعجب الشيوعيين والملالي، فشجعوا على نشر الفوضى ثم اغتصبوا السلطة، فهل الشعب الإيراني اليوم في حال أفضل من أيام الشاه؟ 
تُعد سياسة «الفوضى الخلاقة» من أدبيات الماسونية، وهي سياسة تتصف تحركاتها وأنشطتها بالغموض، نتيجة لاعتماد خلاياها وفروعها على السرية وإضمار الأهداف الحقيقية، ونظراً لاحترافية جماعة «الإخوان» في أساليب تعاطيها مع سياسة «الفوضى الخلاقة»، تم استغلالهم من قبل الإدارة «الديمقراطية» السابقة، لكنهم اليوم عبارة عن ورقة محروقة ولا مستقبل لهم مع حكومة «بايدن»، والذي يصعب عليه مواصلة سياسة «أوباما»، فـ«الإخوان» لا يملكون القدرة أو الكفاءة لمواجهة التحديات الحالية، لكن هذا قد لا يمنع البعض من إعادة تفعيل الفوضى في مناطق عدة من العالم بالتعاون مع أطراف أخرى، بدليل ما سبق من تهجّم على دول المنطقة عندما طُرح ملف حقوق الإنسان!
في دول المنطقة تتواجد العديد من المجموعات الحقوقية والمدافعين الفرديين عن الحريات، وبعض هؤلاء –وليس كلهم- يمكن التغرير بهم أو الدفع لهم بسخاء، ثم إيجاد قنوات اتصال مع المنظمات الدولية ووسائل الإعلام المنحازة للقيام بأعمال مخابراتية تخريبية منظمة، ولعب أدوار خطيرة في تهييج وتحفيز الفوضى، دون الحاجة إلى استعراضات «الإخوان» المسرحية للتقوى في السابق، لذلك يتوجب أخذ الحيطة والحذر من القادم.