وكأن القارة الأفريقية المنكوبة منذ أمد بعيد بالصراعات الأهلية والمشاحنات القبلية، في حاجة إلى جرح جديد يفتح في جسدها الأسمر عبر صحوة القوميات مرة أخرى.
ما يجري على الأراضي الإثيوبية في الأشهر الأخيرة، وقد بلغ اليوم حد المواجهة العسكرية، هو ضرب من ضروب استدعاء الماضي، والتشظي من جديد، ذلك أن الدولة التي تسعى للصعود عبر التنمية والاستقرار، تتعرض الآن لمخاطر التوتر عبر عشرة أقاليم قائمة على أساس عِرقي.
تبدو الدولة المركزية اليوم في صراع مسلح محموم مع إقليم «التيجراي»، والذي هو موطن الأحباش، ويذكر التاريخ أن النجاشي منهم، وعلى الجانب الآخر تبدو جماعتان عرقيتان هما، الأورمو، والأمهرة، في مواجهة قديمة على مكاسب السلطة.
يزعم التيجراي أنهم تعرضوا مؤخراً لنوع من الاضطهاد، ولهذا رفضوا تأجيل الانتخابات، وقاموا من جانب واحد في سبتمبر الماضي بالاقتراع، الأمر الذي اعتبر في أديس أبابا خروجاً على الشرعية.
بقية القصة متكررة في الداخل الأفريقي عبر أكثر من دولة، تبدأ الخلافات سياسية، ويتصلب الطرفان كل عند رأيه، لتتحول القضية إلى مواجهة مسلحة، ثم تتدخل أطراف أخرى خارجية، وفي نهاية المشهد يضيع الأمن والسلم المحليان، وتالياً الإقليميان.
وقت كتابة هذه السطور كانت الحكومة الإثيوبية تتحدث عن انتهاء مهلة الثلاثة أيام، ما يعني اللجوء إلى الخيار الأخير وهو التدخل العسكري الشامل ضد قوات وميليشيات إقليم التيجراي.
علامة الاستفهام التي يتوجب على الطرفين النظر إليها بعمق: «هل الاحتكام إلى السلاح هو الحل لمواجهة المشهد المشتعل الحالي؟
هنا ينبغي الإشارة إلى جزئية مهمة، وهي أن الصراع يجري برسم عِرقي، وعليه فإن المكون الثقافي والإرث الهوياتي يضحيان الحاكم الحقيقي في المشهد، وبأكثر كثيراً جداً من الاختلاف الأيديولوجي، ما بين يمين ويسار، على سبيل المثال.
في هذا السياق ينبغي على العقلاء من الجانبين التنبه إلى أنه من شبه المستحيل إخضاع إرادة الأورومو والأمهرة دفعة واحدة لإرادة التيجراي، والعكس صحيح. فالمسألة ليست مواجهة جماعة يمكن إرغامها على رغبة السلطة القائمة في أديس أبابا.
ما يحدث في إثيوبيا يفتح الأبواب لأيقاظ عداوات جغرافية قديمة، كما الحال بين إريتريا وإقليم التيجراي، ولهذا يتبادل الجانبان القصف بالصواريخ.
فيما الأكثر خطورة في المشهد هو أن الجروح في الجسد الإثيوبي تفتح دروباً أمام وكلاء الشر المحدثين، في المنطقة. ولعل المتابعين للمشهد يرصدون الاتصالات الهاتفية التي تسارع تركيا لإجرائها مع أديس أبابا، فيما قطر تزخم أطرافا بعينها بالأسلحة لتجد لها موطئ قدم.
الجرح الإثيوبي يلقي بنحو أربعة آلاف لاجئ على السودان مع طليعة كل شمس، وفي وقت العالم منشغل فيه بسباق البيت الأبيض، وأزمات أوروبا الداخلية.
الخلاصة: على الإثيوبيين استنقاذ دولتهم.
*كاتب مصري