إن كان هذا الذي يعيشه «الأبيض» مخاضاً عسيراً يسبق ميلاد منظومة «تكتيكية» تحين هوية اللعب، فسنقبل بالذي شاهدناه في ودية البحرين من انتقال مفرط بين نقيضين، بين نهج تكتيكي يمنح القدرة على صياغة أداء جماعي مليء بالحيوية ومنه يتدفق عبير الأمل، وبين انطفاء كامل للضوء الجماعي، لتحدث رجة عنيفة في سلم المؤدى الفني الفردي والجماعي.
أمام أحمر بحريني نعرف أن تيار الإبداع لا ينقطع عنه مهما تبدلت الأجيال، كنت أتوقع أن يكشف المدرب لويس بينتو أخيراً عن بنية ومضمون المشروع الفني والتكتيكي الذي جاء به، فقد كان يكفي ما خاضه الأبيض منذ مجيئه من وديات، لنتبين لأسلوب وشخصية الرجل، ملامح نقول معها إن هذا الكولومبي هو بالفعل رجل المرحلة.
وكدت أجزم و«الأبيض» يتسلطن بأداء راقٍ هو من جنس كرة القدم الحديثة، في النصف الثاني من الجولة الأولى، والذي شهد توقيع كايو للهدف الدولي الأول له بقميص منتخب الإمارات من جملة تكتيكية غاية في الإتقان، أن هذا الذي كنا نفتش عنه في وعاء بينتو التكتيكي قد دلتنا عليه ودية البحرين، بخاصة وأن الأداء الجماعي نفذ كل متطلبات الكرة الواقعية، من ضغط عالٍ واستحواذ إيجابي على الكرة وصناعة لفرص التهديف، ولو أن ما عاب «الأبيض» في مرحلة الذروة هاته، أنه كرس العلة ذاتها التي لطالما اشتكى منها، علة إهدار الفرص، لولا أن الجولة الثانية جاءتنا بما يبلبل الفكر ويصيب القلب بالحزن والعقل بالحيرة، فكأني بالأبيض قد ترك بين الشوطين، بهاءه وسلطنته وإبداعه الكروي في مستودع الملابس، لأن ما شاهدناه في الجولة الثانية نسخة طبق الأصل من الرداءة التكتيكية التي تكررت كثيراً في الوديات الأخيرة للأبيض بمعزل عن نتائجها.
أشعرنا «الأبيض» وهو يفقد القدرة على الاستحواذ وعلى الضغط العالي والخانق، ولا يقدر على العض بالنواجذ على الفسح الزمنية التي تركها له منتخب البحرين مكرهاً خلال الجولة الثانية، أن ما شاهدناه في الجولة الأولى كان حملاً كاذباً، ولو أن هناك من سيقول إن ما قدمه «الأبيض» في الثلث الثاني من زمن المباراة يمثل مرجعاً للقدرات الجماعية وللأسلوب الذي ارتضاه بينتو لمنتخب الإمارات، وإلى اليوم لم يتمكن من إنهاء حياكته، بتنشيط فعال للأداء الهجومي، بحيث يتحلل من العيوب التي تظهر عليه وتحول دون التسجيل من فرص سانحة، وبتنشيط دفاعي سليم، بحيث يعفينا من مشاهدة وضعيات دفاعية قبيحة لا تقبل بها كرة القدم الحديثة، كالتي سقط فيها الأبيض في ودية البحرين وقبلها في ودية طاجيكستان، وتسببت في استقبال مرمى الأبيض خمسة أهداف.
ندرك أن طريق البناء طويل وشاق، ولكن بالصبر والجلد والتعلم من الكبوات تطوى مسافته.