عند البعض من الشعراء القصيدة هي مفتاح الدروب، بل عنده هي العصا السحرية التي تنير وتقود دربه، وتحقق له مراده ومقصده وقد تكون سلاحاً مهماً ومؤثراً بقوة في كل ما يتناوله في حياته اليومية أو شؤون الحياة التي تطوف به خاصة في الأزمنة القديمة عندما كان الشاعر أداة حرب وحب ودفاع وسلام، ولعلّ الجزيرة العربية وغيرها شهدت على ذلك منذ أقدم العصور، إنها الموهبة التي يعطيها الله للبعض ليتميز عن سواه وتكون سلاحه الدائم، والذي يقدمه ويخدمه في مجتمعه، بل إن المكانة الرفيعة التي ينالها من إبداعه ومقدرته الشعرية تجعله صاحب مكانة مرموقة ومحسوبة ومقدرة من الخاصة والعامة.
والصحراء العربية خير شاهد على أهمية الشاعر في مجتمعه وبيئته، والأمثلة كثيرة ومعروفة عند الجميع ولا تحتاج للتذكير أو تقديم النماذج خاصة على المستويات الكبيرة والقوية في الشعر العربي، ولكن على المستويات الشعبية والبيئات الصحراوية في أطراف الجزيرة العربية، والتي تمتد على مساحة ساحل عُمان قديماً من الداخل إلى الخارج والسواحل، برز الكثير من الشعراء الشعبيين القدامى، وذاع صيتهم وإشعارهم في محيط تحركهم على امتداد السهول والوديان والصحاري والسواحل..
وبرز لكل بيئة ضيقة وصغيرة بعض الشعراء الذين ينظمون الشعر باللهجة المحلية شديدة الخصوصية، ولكنهم مع ذلك استطاعوا أن يتركوا شيئاً جميلاً من القصائد الشعبية الجميلة في محيطها وبين ناسها، وفي الإمارات وعُمان المتداخلة في اللهجة الشعبية والواحدة في الحس والتذوق والتطابق في أمور كثيرة برز شعراء شعبيون قدموا الكثير من القصائد التي ما زالت تحفظ عند البعض إلى هذا اليوم.
وعند تتبع أحد هؤلاء الشعراء القدامى أصحاب الخصوصية المحلية في القصيدة التي امتازت بها الإمارات وشعراء تلك المراحل الزمنية البعيدة، يمكن رصد واحد من هؤلاء الشعراء ونقدمه كنموذج في طرحه وتميزه بالطريقة الشعرية التي تضم أيضاً على منوالها أهم شعراء أبوظبي ومحيطها، هذا الشاعر هو جويهر الصايغ، ذلك الشاعر المولود في منطقة «ظنك»، والذي أكثر من حركته وتنقله بين الإمارات وعُمان حتى استقر أخيراً في جزيرة أبوظبي، حيث نال التقدير والتكريم من شيوخها الكرام، وأبدع الكثير من قصائده الشعبية والتي ما تزال محفوظة عند القدامى هناك.
ولعلّ قصيدته التي فتحت له باب الترحيب والتقدير في أبوظبي، القصيدة الجميلة التي قالها حباً وصدقاً في مقصده وشعره الخاص.
يقول في قصيدته الجميلة والبديعة باللهجة الشعبية القديمة التالي:-
«ياركب يا قصادي... جدوى شيوخ الأمم
خلوا طريق البادي... واتقفوا بالختم
على مسير العادي... صلبوهن بالخطم
وقولوا تراني غادي... من مفرود الاثم
راعي الصوغ الهبادي... لي يزهو بالختم
عطره دهن بغدادي... يا من بر العيم
ذاير ولا ينصادي... ودونه يذكر حشم
عايا بأهل الودادي... لي يقرون الفهم».