من الأمور التي تجعل المسافر المؤمن قديماً يركن، ويركد في السفر، ويمد رجلاً، ويقول: طاب المقام! منظر «سيخ الشاورما» الذي يتلامع من بعيد، ويدعوه ليقرب أكثر ليسمع طقطقة الشواء، وهو أمر يجعل تفاحة آدم لا تستقر في «اليرعبة»، فيتأمل ذلك المعلق كجذع نخلة، خاصة إذا ما تراءت له تلك اللافتة المؤمنة «لحم حلال» ويجد من يبيعه تركياً أو عربياً، ساعتها يمكن للواقف خلفه أن يسمع لعظام ظهره صريراً كصرير الباب، لأن زمان التمسك والتشدد والنفس اللوامة، كانت أمنية الواحد منا في المدن البعيدة أن يجد مطعماً إيرانياً، فيضمن عدم الرجس واقتراف الذنب أو يصادف مطعماً لبنانياً، فيقول: «هالوو بيروت.. من فضلك يا عيّنيّه» أو يعثر على مطعم هندي، فيربّخ أطرافه، ويسترخي، لأنه يعرف الهنود، وجرب مطبخهم، ولو كان أكلاً من فئة لا يحل للمتقين ذبائحها. 
الإنسان أسير ما ألف، خاصة أولئك الذين لا يحبون المغامرة، ويكرهون التجريب، ويصابون بتلبك معوي إن قرّبوا من أكل لا يعرفونه، اليوم من بذخ السفر عند المحترفين السفر من أجل التلذذ بأكلات الشعوب، والتعرف عليها، وعلى طقوس تقديمها، وتذوقها مع مستحضراتها التي تسبقها، والتي تأتي بعدها في فضاء من المتعة والرومانسية، وقضاء أوقات دافئة في المطاعم المشهورة التي يحتاج بعضها للحجز المسبق قبل أشهر، خاصة في أوقات الاصطياف أو في أوقات الرحلات الشتوية أو نظراً لأسعارها الغالية جداً، وزبائنها رفيعي المنزلة من نخبة المجتمعات والمشاهير، ولا ترغب هذه المطاعم أم الشوكة الذهبية أن يحوط حولها السياح الذين يسألون عن سعر كل شيء، ولا يعجبهم الكثير، ويحدثون قرقعة وأصواتاً أثناء الأكل، ولا يحبون أن يدفعوا إكرامية بعد الخدمة، مثل هؤلاء من غالبية السياح تفرحهم تلك الإشارات المضاءة ليلاً ونهاراً كعلامات المطاعم الشعبوية بحروفها المبالغ فيها، والتي يعرفونها وجربوها أكلاً وسعراً. 
اليوم.. ليس مثل زمان، لقد حلت المسائل، وأصبح كل شيء متاحاً، وعولمة المطاعم والمقاهي وسلاسلها موجودة في كل مكان، حتى في محطات الوقود، ولم يعد للمتوجسين من عذر للقلق غير المبرر، بقيت نسبة قليلة، ولكنها صعبة المراس، مملة في السفر، وتغصص عليك في كل حين، وتنغص عليك رحلتك، منهم النباتيون الذين يأكلون الحشائش والطحالب والشَّبوّ، وكل ما علق في الماء أو لبث على الأسطح الرطبة، ومنهم من يعفّون عن أكل اللحوم بأنواعها، ويربكونك بأكل ثمار البحر الذي يغث نفسك، ويلوّع كبدك، ومنهم الذين «يجزون» ويشككون في كل شيء، بدءاً من غسل الأكل قبل طهيه، ونقاوة الزيت، ونظافة أظافر «الشيف»، والشك بأن النادل يعاني من أمراض معدية، ولا تظهر عليه أعراضها أو أن الطباخ من الناقمين، هؤلاء إن رافقتهم أسبوعاً فستعود مثل «الخريطة» أو في ضآلة حجم «غاندي»!