يا لهذا الفرح العميق الذي يعم النفس والبلاد في هذا الـ«نوفمبر» المتقلب بين الخوف من الجائحة والأمل في انجلائها. إنه فرح الاهتمام بالثقافة والكتاب والقارئ، والقيمة المعرفية للإنسان. وفي سقوط العالم في براثن الاستهلاك يلوح معرض الكتاب في الشارقة مثل زنبقة نضرة في اصفرار الخريف، باعثاً نشوة خفية وإحساساً جميلاً بانتصار الثقافة على الواقع اليومي الذي انحسر حضور الكتاب فيه لمصلحة المرئيات الهائلة التعدد. وشبكات التواصل الاجتماعي. وأصبح الكتاب والمكتبة مفهومين ينتميان إلى الماضي! في مناخ كهذا تنهض الشارقة بشخص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ومسؤولين حوله ومعه، لإعادة الاعتبار والقيمة الحقيقية للكتاب والثقافة بكل تفرعاتها، لأنه يضعها في بؤرة الاهتمام ومحور الجهود بكل تجلياتها، سعياً نبيلاً لتكوين إنسان المعرفة والوعي والإدراك. الإنسان المثقف العارف بظواهر الأشياء وبواطنها، المدرك والرائي والنافذ إلى عمق الحاضر والتاريخ، لصياغة المستقبل. إن تكوين إنسان مثل هذا هو عمل شديد الصعوبة وعظيم النبل أيضاً. عمل تتوحد فيه الروح والقلب والعقل كي تدفع بمسيرة هذا التكوين إلى أعلى مراميه وأسمى غاياته. 
إن معارض الكتاب في الشارقة تتسم دوماً بخصوصية متميزة تتجلى في الاهتمام الكبير والخاص بتوفير المكان الملائم للأنشطة الثقافية بفروعها المختلفة على مدار السنوات. وإذا كان المعرض له أيام معدودة، فإن توفير مناخ كهذا باقٍ على مدار الأيام والسنوات. وهو هكذا يؤسس للمعرفة وللإنسان قيمتهما الحقيقية العميقة. وإذا كان هذا المعرض الحافل المحتفي بالثقافة هو مبعث هذا الفرح العميق، فإن الاهتمام الخالص المعطى للطفولة وثقافتها مبعث جذل وطمأنينة، حيث إن غرس المعرفة وحب الكتاب كضرورة إنسانية وحضارية يبدأ من سنوات الطفولة الأولى. وهذه السنوات هي أسس الشخصية وهيكلها الشامل. وهي سنوات اللاوعي التي تنحفر فيها الثقافة في العمق الدفين للشخصية. وتنعكس في سلوكها ورؤيتها لنفسها وللعالم ولما يحيط بها. 
إن أية معرفة لاحقة تبقى قيد التحول والتبدل، ولكن التي تقدم للطفل تصير ميزاناً دقيقاً للواقع الذي تلقى فيه هذه الثقافة. فإذا كانت معرفة علمية موسوعية متنوعة، نشأ الطفل واعياً، واسع الإدراك، سريع الاستيعاب، قادراً على تحديد مواقفه وانتقاءاته. وإذا كانت معرفة ضيقة وأحادية تنطوي على روح التسلط والحظر، نشأ الطفل هزيل الشخصية، مضطرب الفكر والوجدان بين توقه الإنساني الحر، وسلطة المعرفة التي تلقاها. 
فتحيةً وعرفاناً لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. وتحيةً وتقديراً لكل من اجتهد وسعى كي يعيد للثقافة اعتبارها وللكتاب حضوره الجليل!