الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

ناجون من الموت.. نازحو أوروبا من الحرب العالمية إلى «الباردة»

ناجون من الموت.. نازحو أوروبا من الحرب العالمية إلى «الباردة»
14 نوفمبر 2020 00:39

ستيفن ف. روبرتس *

كتب ديفيد ناساو، الكاتب الأميركي المتخصص في التاريخ الثقافي والاجتماعي لغرب الكرة الأرضية في أوائل القرن العشرين، في كتابه «المليون الأخير: نازحو أوروبا من الحرب العالمية إلى الحرب الباردة»، إنه تم تعريفهم كمجموعة من خلال صمودهم ورفضهم الاستسلام. إنهم الناجون من الحرب العالمية الثانية والذين «تُركوا» في ألمانيا، ولم يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم الأصلية. كانوا بلا جنسية ومشردين، وكانت تكتظ بهم معسكرات مؤقتة، بعضها استمر لخمس سنوات، قبل أن يتمكنوا من الاستقرار في أرض جديدة.
ويتميز الجانب الدبلوماسي والسياسي لهذه القصة بالقساوة وعدم الكفاءة، خاصة حين نتذكر الأوصاف السيئة التي أطلقها الجنرال «جورج باتون» على اللاجئين اليهود. لكن الناجين رفضوا الموت أو الاختفاء، وطالبوا بأن يتعامل العالم معهم.

في «المليون الأخير»، قدم ناساو خدمة حقيقية من خلال إحياء هذا التاريخ، لكن ما ينقصه غالباً هو الروايات الشخصية للأفراد الذين عاشوا خلال تلك الفترة. على المرء أن يلجأ إلى أشكال أخرى -كالروايات والمسرحيات والمذكرات- لفهم الدراما الإنسانية الكاملة. وعندما يقتبس ناساو من قصة قصيرة لـ «فلانيري أوكونور»، يُطلب من شخصية تعريف «الشخص النازح»، فيأتي ردها غير قابل للنسيان: «هذا يعني أنهم ليسوا في المكان الذي ولدوا فيه وليس هناك مكان يذهبون إليه، كما لو كنت قد هرعت من هنا ولن يستقبلك أحد».
كانت المجموعة الأساسية التي «لا مكان لديها للذهاب إليه» تتألف من اليهود الذين نجوا من جهود الإبادة التي قام بها النازيون. تصف «هداسا روزنسافت» ردود الفعل في أحد معسكرات الموت في 8 مايو 1945، عندما كان الناس يحتفلون بانتصار الحلفاء في جميع أنحاء العالم، قائلة: «نحن في بيلسن لم نرقص في ذلك اليوم. لم يكن لدينا ما نأمله. لم يكن أحد ينتظرنا في أي مكان، كنا وحدنا متروكين».
تضمن «المليون الأخير» العديد من المجموعات الأخرى، مثل: عمال الرقيق من بولندا وأوكرانيا، وسكان البلطيق الذين هربوا من تقدم الجيوش السوفييتية في ليتوانيا ولاتفيا، والجنود الألمان الذين دفنوا زيهم العسكري، وأحرقوا وشومهم التي ميزتهم على أنهم قدامى المحاربين في الجناح العسكري للحزب النازي (فافن إس إس). ومع ذلك، كان اليهود هم أكثر من عانى. كان الصغار والكبار «أول من يُقتل»، لأنهم غير قادرين على العمل، كما أفاد «جوداه ناديتش»، مستشار الجيش الأميركي في عام 1945. في معسكر واحد به 944 يهودياً مسجلاً، كان ثلاثة فقط فوق الستين، وكان الجميع تقريباً بين 16 و44 عاماً. كتب ناديتش: «كان غياب الأطفال بين الناجين مذهلاً ومفجعاً».
لم تكن العودة إلى الوطن واردة. كانت أوروبا «منطقة ميتة» يتوقون إلى مغادرتها، لكنهم لم يستطيعوا. كان البريطانيون، الذين حكموا فلسطين في ظل انتداب عصبة الأمم، مناورين بشكل خاص. فقد خافوا من استعداء الدول العربية وتعريض إمداداتها من نفط الشرق الأوسط للخطر. أو حتى الأسوأ من ذلك، دفع العرب نحو السوفييت الذين «اشتهوا» احتياطيات الطاقة نفسها. لذلك عارضت لندن، بدعم من واشنطن، تقريباً الهجرة اليهودية إلى الأراضي المقدسة. يكتب ناساو: «إذا كان هذا يعني التضحية بأحلام اليهود بوطن في فلسطين، فليكن».
لم يكن الأميركيون أفضل حالاً، حيث حافظوا على قانون من عام 1924 فرض قيوداً صارمة على جميع أشكال الهجرة تقريباً. وكان الرئيس «هاري ترومان»، يخشى من أنه إذا حاول تخفيف الحصص الصارمة، فإن ذلك سيأتي بنتائج عكسية وسيثير «تشريعات أكثر تقييداً».
على أي شخص يعتقد أن شيطنة الرئيس ترامب للأجانب انحراف، أن يقرأ هذا التاريخ. ففي أوروبا، اندمجت معاداة السامية ومعاداة الشيوعية لفترة طويلة في كراهية شرسة واحدة. كتب ناساو: «كان البعض يعتقدون أن كل يهودي مخرب وبلشفي»، وهو الاعتقاد الذي تبناه معارضو الهجرة في الكونجرس في تحيز سافر.
وخلال إحدى المناظرات التشريعية في عام 1948، صرح النائب يوجين «جوبر» كوكس، من ولاية جورجيا، بأن «هذه المعسكرات هي بؤر للثوار الذين، إذا جاؤوا إلى هنا، سينضمون إلى أولئك الذين ينخرون ليلاً ونهاراً مثل النمل الأبيض في أساس حكومتنا الدستورية». وعندما عدّل الكونجرس أخيراً قانون الهجرة، أقر ترومان بأن الإجراء «يميز بطريقة قاسية» ضد اللاجئين اليهود، لكنه وقّعه على أي حال.
وفي النهاية انتصر صمود هؤلاء اللاجئين وبراعتهم. بدأ المنظمون الصهاينة في تجنيد وتدريب المقاتلين المحتملين في المعسكرات الألمانية وإرسالهم بشكل غير قانوني إلى فلسطين. اعترف ترومان بدولة إسرائيل في مايو 1948. وفي غضون عام، فرّ ما يقرب من 100.000 يهودي مشرد إلى الوطن الجديد. كما وجد العديد من اللاجئين طرقاً للتهرب من القوانين الأميركية «القاسية». تتذكر «إيلا شنايدر هيلتون» قائلة: «لقد كذبنا جميعاً بشأن من أين أتينا». وكما لاحظ أحد ضباط الجيش الأميركي، «فإن الأشخاص المشردين أذكياء، لقد عاشوا بذكائهم لسنوات عديدة، ومن الصعب للغاية أن تعرف شيئاً لا يريدونك أن تعرفه».

المؤلف
ديفيد ناساو - كاتب أميركي وكاتب سيرة ومؤرخ متخصص في التاريخ الثقافي والاجتماعي لأميركا في أوائل القرن العشرين. يعمل ناساو في كلية مركز الخريجين بجامعة سيتي في نيويورك. يتم الاستشهاد به على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية كخبير في تاريخ الترفيه الشعبي ووسائل الإعلام، وكناقد للأعمال الإنسانية الأميركية.

الكتاب: المليون الأخير: نازحو أوروبا من الحرب العالمية إلى الحرب الباردة
المؤلف: ديفيد ناساو
الناشر: مطبعة بنجوين
تاريخ النشر: 2020

.......................
*أستاذ الصحافة والسياسة في جامعة جورج واشنطن، ومؤلف كتاب «منازل آبائي»، وهو مذكرات عن هجرة عائلته من أوروبا الشرقية 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©