أثبتت أحداث الانتخابات الأميركية، بأنها لا زالت تمثل قبلة الساسة والسياسة في العالم، حتى لدى المخالفين لتوجهاتها والرافضين لقراراتها، حتى الخصوم: روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وآخرين متناثرين من حول الكوكب. ويكمن السر غير الدفين في ما ذكره الفيلسوف جان جاك روسو «لو كان هناك شعب من الآلهة، لحكم نفسه ديمقراطياً». هذا هو السر الغامض بالنسبة للعالم الثالث أو النامي أو الهش أو «المهشم» من بعد عبث «الربيع» به وحول بعض أجزائه حطاماً تذروه الرياح. هكذا لقد استعاد «الديمقراطيون» ألقهم من جديد، بتسيد رجل الدولة العميقة بايدن الحكم بعد أربع سنوات من حكم ترامب الذي دخل إلى حلبة هذا الصراع، وهو لا ينتمي إلى عالم السياسة بصله ولا بدهاليزه، ولكن تميز عن غيره بأنه كان كل ما في قلبه على لسانه وفي «تويتره». ما هي الخطوط العريضة والخطوات العملية التي أذاعها بايدن على العالم منذ اللحظة الأولى لفوزه؟ لقد تعهد في كلمته الأولى، بأن يكون رئيساً لجميع الأميركيين، قائلاً: حان الوقت الوقت لوضع الخلافات جانباً. «دعمني الأميركيون من أصول أفريقية مرة جديدة وأنا بدوري أدعمهم». «نحن مطالبون بالعمل لاحتواء فيروس كورونا وبناء العدالة والقضاء على العنصرية»، «شكلت مجلساً استشارياً لمواجهة فيروس كورونا». 
بايدن بدأ للتو في التخطيط لتوقيع مجموعة أوامر تنفيذية، أبرزها: «إلغاء الحظر على السفر من الدول الإسلامية الذي فرضه ترامب»، وإعادة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، واستخدام الأوامر التنفيذية بقوة إذا انتهى التنافس في مجلس «الشيوخ» دون حسم، ودون أغلبية ديمقراطية. 
وكذلك سينفذ وعده بإيقاف العمل في بناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، إذ قال في إحدى تصريحاته، مؤخراً، إنه «لن يجري بناء قدم زيادة في الجدار». وذكر موقع حملة بايدن على الإنترنت أن «الهوس ببناء الجدار لن يجدي شيئاً في مواجهة التحديات الأمنية، بينما يكلف دافعي الضرائب مليارات الدولارات».
الدورات الانتخابية الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية أضافت إلى تراثها الحضاري ثلاث قيم مثيرة للإعجاب في عالم الديمقراطيات: الأولى لم تجعل من العنصرية حاجزاً ولا حائلاً دون وصول أوباما إلى سدة الحكم، وكذلك تولي ترامب غير المتحزب، أعلى منصب في العالم. وأخيراً وصول امرأة لتكون نائبة بايدن، وهي «كاملا هاريس»، لتكمل مشوار هيلاري التي لم تتمكن من الوصول إلى رأس الهرم السياسي الأميركي، وقد تكون هي الرئيس بعد أربع سنوات من الآن، خاصة وأن بايدن لمح إلى ترك الحكم في فترة مبكرة.
جيد أن نتعرف عليها من خلال كلمتها وأبرز ما جاء فيها: «أنتم منحتم فجرًا جديدًا للولايات المتحدة»، «لقد حميتم نزاهة ديمقراطيتنا بفضل مشاركتكم القياسية في الانتخابات»، «اخترتم الأمل والوحدة والكرامة والعلم والحقيقة»، «الأميركيون اختاروا بايدن كرئيس مقبل للولايات المتحدة الأميركية، وبايدن أزال أكبر عائق في بلادنا باختياره امرأة لتكون نائبة للرئيس». ومن أبرز التعليقات على انتخاب بايدن، ما جاء في رد فعل بيل كلينتون الذي قال:
لقد تحدثَت أميركا وانتصرت الديمقراطية. الآن لدينا رئيس منتخب ونائب رئيس منتخب، وهذا يخدمنا جميعًا ويجمعنا معًا. ألف مبروك لجو بايدن وكمالا هاريس على انتصارهما الكبير.
الديمقراطية هي مربط الفرس في الحياة السياسية الأميركية والجوهرة التي تصقل من جديد مع كل دورة انتخابية، لأنها بمثابة الروح للشعب الأميركي منذ 244 عاماً.