اعتمدت اليونسكو منذ خمسين عاماً اتفاقية دولية بشأن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية للدول والمجتمعات، ويتشكل اليوم وعي عالمي بضرورة مكافحة هذه التجارة العالمية التي تؤدي إلى حرمان كثير من الأمم من هويتها وتراثها، لكنها تجارة رائجة يتهافت عليها كثير من الناس حول العالم، ما جعل أسعار القطع الأثرية والفنية في الأسواق غير المشروعة مرتفِعاً ويغري بالمغامرة وانتهاك القوانين الوطنية والدولية لنقلها خارج موطنها، وبيعها لجهات راغبة في اقتنائها ومستعدة للدفع مقابلها مبالغ كبيرة. وقد ساعدت حالات الصراع وعدم الاستقرار في دول عدة إلى سرقة كثير من آثارها. وتتحدث اليونسكو عن آلاف القطع الأثرية التي تُكتشَف في المطارات والمراكز الحدودية، أو يرصد بيعها في مدن بعيدة عن مكانها الأصلي، وقد ضبطت في عامي 2018 و2019 حوالي تسعة عشر ألف قطعة أثرية كانت تجري محاولات لتهريبها، وبالطبع فإنه رقم يؤشر على حجم هذا النوع من التجارة. 
ووصل عدد الدول الموقِّعة على اتفاقية حماية الآثار ومنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية إلى 140 دولة. وساهم هذا التضامن الدولي، إضافة إلى تطور الوعي الثقافي العام، في مواجهة الظاهرة واسترجاع كثير من الممتلكات الأثرية وإعادتها إلى مواطنها الأصلية. لكن منظمات التهريب تزيد كفاءتها، كما أنها تخترق بعض الأنظمة والإجراءات الحكومية بسبب الإغراء المالي الكبير الذي يُقدَّم لجامعي الآثار والموظفين العاملين في حمايتها وتنظيمها.
وقد يكون محزناً أن الإقبال على الفنون وتقديرها يؤدي إلى استنزافها وتدميرها، ذلك أن حجم السوق العالمية للفن يقدر بنحو 64 مليار دولار، ما يجعل المقتنيات الفنية تجارة مغرية للمافيا والمنظمات غير القانونية. وقد دخلت إلى هذا السوق الجماعات الإرهابية، للحصول على موارد مالية أو بهدف غسيل الأموال. وتقدر اليونسكو أن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية يأتي في المرتبة الثالثة بين الأنشطة الإجرامية بعد تجارة المخدرات والسلاح. وتُستخدَم اليوم شبكة الإنترنت من أجل الترويج للآثار وتنظيم عمليات بيعها، مع التستر على هويات البائعين. ويتضح أن 30 في المائة من القطع التي بيعت بشكل غير مشروع جرت عمليات بيعها عبر شبكة الإنترنت.
وتتحدث وسائل الإعلام والمصادر المختصة حول عمليات تنقيب غير مشروعة عن الآثار تجري حول العالم، وقد تعرضت مبانٍ أثرية بالغة الأهمية للتدمير والإضرار بسبب عمليات البحث والتنقيب التي تجري دون اعتبار لما تتعرض له الأماكن الأثرية. وقد سعت الأمم المتحدة لاتخاذ تدابير خاصة واستثنائية لأجل حماية الآثار في سوريا والعراق. وتزايدت ظاهرة الاتجار بالآثار والقطع الفنية في ظل انتشار وباء «كوفيد-19»، وكان جيداً أن إدارة فيسبوك حظرت الاتجار بالقطع الثقافية التاريخية عبر منصاتها الرقمية.
وبالطبع فإن الفقر في البلاد الغنية بالآثار يساعد على عمليات الاتجار بالآثار والبحث غير المشروع عنها، كما أن الحوافز التي تقدم للناس لتشجيعهم على الإبلاغ عن اكتشاف آثار أو عمليات اتجار بآثار لا تكفي لتشجيع المواطنين في هذه البلدان على التضامن مع المؤسسات الوطنية. وإذا لم تُعالَج هذه الثغرات التنظيمية والتشريعية والاجتماعية، فإن مكافحة المنظمات غير المشروعة تزداد صعوبةً. وإذا لم تتمكن الدول من تحويل قضية الحفاظ على الآثار إلى مصالح وطنية مقنعة للناس تدفعهم للتضامن، فإن الممتلكات الأثرية ستظل عرضة للتدمير والاستنزاف.
إن الوعي لا يتشكل بالتوعية فحسب، وإنما أيضاً بوجود منظومة اقتصادية واجتماعية تجعل ازدهار الأماكن الأثرية ازدهاراً للسكان من حولها. ولا شك في أن نمو السياحة والمتاحف والتنظيم القانوني للاتجار بالممتلكات الثقافية يساهم كثيراً في إبعاد الناس عن التعاون مع عمليات الاتجار غير المشروعة.