تعاملت أسواق النفط العالمية بهدوء نسبي مع التطورات الدراماتيكية للانتخابات الرئاسية الأميركية، والتي وصلت إلى حد المشاحنات وتبادل الاتهامات والاتهامات المضادة والتشكيك في نزاهة الانتخابات، بل إنها وصلت إلى المحاكم في تطور ملفت، لم يحدث منذ عشرين عاماً، اذ تكرر سيناريو انتخابات عام 2000 ولكن بصورة أشد ضراوة.
الانتخابات الأميركية من الأهمية بمكان بحيث ستشمل تداعياتها كافة بلدان العالم من النواحي الاقتصادية والسياسية والبيئية والأمنية، إلا أن ما يهمنا هنا هو تأثير هذه النتائج على أسواق النفط، والتي تعتبر القطاع الرئيسي للاقتصادات الخليجية، كما أن التداعيات السياسية والأمنية، مهما روّج لها إعلامياً ستبقى نسبية، مما لا يبرر فرح هذا الطرف وحزن طرف ثان بفوز هذا المرشح أو خسارة الآخر، إذ ينم ذلك عن سوء تقدير لفهم دولة المؤسسات، حيث يقول الأمير تركي الفيصل المطلع والمتابع للشؤون الأميركية «إن الذين يتوقعون أن يكون جو بايدن مختلفا عن دونالد ترامب سيصابون بخيبة أمل شديدة»، وهو محق في ذلك تماما.
خير ما يعبر عن هذا الفهم، هو تداعيات انتخاب أي من المرشحين على أسواق النفط، ومع أن نتائج الانتخابات قد أعلنت بفوز المرشح بايدن، فإننا سنفترض وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض، إذ ستكون هناك انعكاسات على المديين القريب والبعيد على أسعار النفط، فسياسة ترامب النفطية تستند إلى رفع انتاج النفط والغاز بالحد الأعلى، وهو ما تم بالفعل وحول الولايات المتحدة من جديد إلى أحد أكبر منتجي النفط والغاز وساهم في انهيار الأسعار على المدى القريب، وذلك قبل الاتفاق السعودي- الروسي بدعم أميركي لإعادة التوازن. أما على المدى البعيد، فإن إدارة ترامب حدّت من تطوير مصادر الطاقة البديلة، علما بأن العمر الافتراضي للنفط والغاز الصخريين اللذين ساهما أساسا في رفع الإنتاج الأميركي قصير نسبياً، مما سيحافظ على موقع النفط في ميزان الطاقة العالمي لسنوات إضافية، وهي نقطة تُسجل لصالح البلدان المنتجة.
أما وقد فاز جو بايدن، فإنه على المدى القريب سيحد كثيراً من إنتاج النفط والغاز الصخريين من منطلقات بيئية والتزاماً باتفاقية باريس للمناخ التي قرر بايدن العودة إليها بعد انسحاب إدارة ترامب، مما سيؤدي إلى عدم تناسق العرض والطلب، وبالأخص بعد انتهاء جائحة كورونا، إذ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار إلى 60 دولاراً للبرميل، وهو ما تطمح إليه الدول المنتجة.
أما على المستوى البعيد، فإن سياسة بايدن النفطية ستلحق ضرراً بالبلدان المنتجة، على اعتبار أنه ينوي ضخ استثمارات هائلة لتطوير مصادر الطاقة البديلة، وهو ما سيوجد مستجدات معقدة، ويغير من حصة مختلف المصادر في ميزان الطاقة، ويُعجل من انتهاء العصر الافتراضي للهيمنة النفطية شبه المطلقة، وهو تطور لغير صالح البلدان المنتجة.
من هنا نجد أن لدى كل منهما جوانب إيجابية وأخرى سلبية على أسواق النفط، إلا أن الاثنين ينطلقان من مصالح بلديهما أساساً من الناحية الاستراتيجية، وذلك رغم تفاوت موقفيهما في الأسلوب الخاص بالوصول للنتيجة النهاية الكامنة في ضمان مصالح الولايات المتحدة. وبالتوجهات نفسها يتعامل كل من الطرفين في المجالات الأخرى، بما فيها السياسة الخارجية والأمن الاستراتيجي.
وإذا كانت هذه حقيقة التوجهات للحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، واللذين ربما يختلفان في الأسلوب، إلا أنهما متفقان تماماً، في كيفية الوصول للهدف النهائي المعبر عن مصالح وطنهما أساسا بصورة براغماتية بعيدة عن العواطف، مما يتطلب من الدول الأخرى أن تضع لنفسها محددات معينة قصيرة وبعيدة المدى للتعامل مع الإدارات الأميركية المتعاقبة من النواحي الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت بين توجهات الإدارات الأميركية المتعاقبة. 
*مستشار وخبير اقتصادي