اتسمت المناظرة الرئاسية الأميركية الأخيرة بلحظات درامية منها قول الرئيس دونالد ترامب بأن مقترحات المرشح «الديمقراطي» جو بايدن بشأن تغير المناخ من شأنها أن «تدمر صناعة النفط» في الولايات المتحدة. وبينما يقترح بايدن في الواقع فقط قطع الدعم الفيدرالي للنفط، و«الانتقال» إلى مصادر طاقة أنظف، يأمل ترامب بوضوح أن تلقى القضية صدى لدى الناخبين المعتمدين على الصناعة في ولايات رئيسة مثل بنسلفانيا وتكساس وأوهايو.
لكن بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات الثلاثاء الماضي، فقد ينتهي نزاعهما بإثبات أنه نزاع أكاديمي بالأساس. حتى مع تنازع المرشحَين، كانت الأصوات الرئيسة في العالم الأوسع -الحكومات وقادة الشركات والمحللون والمستثمرون- تطرح كلها سؤالا مختلفاً: متى يحدث التحرك بعيداً عن مصادر الطاقة عالية الكربون؟
من المحتمل أن يكون هناك تحول واسع النطاق بعد سنوات عديدة، إذا ما أُخذ في الاعتبار احتمال استمرار الطلب على النفط في الاقتصادات النامية، وكذلك في صناعات مثل البتروكيماويات. ومع ذلك، يبدو أن الجدول الزمني يتسارع، والاتجاه العام للانتقال نحو مصادر طاقة منخفضة الكربون، لا لبس فيه.
إن زيادة وعي المستهلك حول تغير المناخ هو أحد المحفزات الرئيسة، لكن هناك أيضاً دوافع جديدة في مقدمتها الصدمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة «كوفيد-19».
وقد اتضحت الصورة في أحدث تقرير سنوي للوكالة الدولية للطاقة بعنوان «توقعات الطاقة العالمية لعام 2020»، والذي يحدد أربعة سيناريوهات بديلة، لا تقتصر فقط على تتبع الآثار المترتبة على خيارات سياسة المناخ المختلفة، ولكن أيضاً الآثار الاقتصادية الهائلة للوباء. ويتوقع التقرير دوراً مهيمناً بشكل متزايد للطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، وانخفاضاً مطرداً للفحم، وتزايداً لأهمية توربينات الرياح. كما يتوقع التقرير حدوث انتعاش في الطلب على النفط بعد الوباء. لكن حتى في ظل السيناريو الأكثر تحفظاً -الانتعاش الاقتصادي السريع إلى حد ما، وعدم وجود مبادرات رئيسية جديدة لسياسة تغير المناخ- فمن المتوقع أن يستقر الطلب في ثلاثينيات القرن الحالي. ويضيف التقرير أن الانخفاض في الطلب على النفط وأسعاره خلال الوباء، لفت انتباه المستثمرين والحكومات في البلدان المنتجة للنفط، على الحاجة طويلة المدى للتنويع الاقتصادي. وقد وصلت هذه الرسالة بالفعل إلى العديد من البلدان المتقدمة. وبينما تعد الحكومات حُزَماً ضخمة من الاستثمارات والإعانات والحوافز لإعادة تشغيل اقتصاداتها، تتركز الأنظار على مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين. لقد فرض عدد من البلدان بالفعل التحول بعيداً عن بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين لصالح السيارات الكهربائية. وتعهد الاتحاد الأوروبي، من خلال خطة التعافي الاقتصادي (قيمتها 900 مليار دولار) بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. وفي بريطانيا، أعرب رئيس الوزراء بوريس جونسون عن أمله في زرع توربينات الطاقة في مياه البحر التي تجتاحها الرياح.
وأعلنت الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مصدر لانبعاث الكربون، أنها ستصل إلى «صفر كربون» بحلول عام 2060. ومثلما سعت حكومة شي جين بينج إلى الحصول على مكانة رئيسية في مجال التكنولوجيا الفائقة، فقد تسعى إلى لعب دور رائد في اقتصاد طاقة عالمي أكثر اخضراراً، حيث تصنع الصين بالفعل معظم الألواح الشمسية في العالم. ويبدو أن عالم الأعمال يتغير أيضاً. وصناعة السيارات هي مثال رئيسي، وخير مثال على ذلك هو ألمانيا، حيث تجاهل كبار المصنِّعين هناك في البداية احتمالية انتقال واسع النطاق إلى السيارات الكهربائية، لكنهم الآن يتدافعون لإنتاجها، مدفوعين بنجاح «تيسلا» الأميركية.
وأعلنت شركة «هوندا» اليابانية مؤخراً أنها ستخرج من قطاع محركات «فورمولا-1»، والسبب المعلن هو التركيز على تقنيات محركات السيارات الكهربائية الجديدة.
وفي أستراليا، التي لا تزال منتجاً رئيساً للفحم، تدعم الحكومة مشروع محطة طاقة جديدة في منطقة الصحراء الغربية، هو مجمع «الهيدروجين الأخضر» حيث ستعمل أكبر مزرعة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم على إنتاج الهيدروجين الخالي من الكربون للتصدير إلى آسيا.
بل إن بوادر التغيير تظهر في صناعة النفط نفسها، ففي أوروبا أعلنت شركة «توتال» الفرنسية و«رويال داتش شل» و«بريتش بيتروليم» عن خطط لبدء التحول من الاعتماد على النفط إلى الاستثمار في مصادر طاقة منخفضة الكربون.
ولا تزال الشركات الأميركية تراهن على بقاء النفط والغاز المصدر الرئيسي للطاقة في العالم إلى حد بعيد، بينما تأمل في معالجة مخاوف تغير المناخ من خلال تقنيات التخفيف، مثل التقاط وتخزين انبعاثات الكربون. وإذ إنه من المرجح أن يظل الطلب على الغاز الطبيعي مرتفعاً مع انتقال الاقتصادات إلى طاقة أنظف، فلا توجد مؤشرات رئيسة حتى الآن على التنويع على النمط الأوروبي. كما لم توجد علامة على حدوث تحرك كبير في الولايات المتحدة بعيداً عن مصدر طاقة مثير للجدل بشكل متزايد، ألا وهو التكسير الهيدروليكي أو التكسير الصخري. لقد كرر ترامب موقفه المعروف من هذه القضية الانتخابية، بينما أوضح بايدن أنه لن يحاول إنهاء التكسير الهيدروليكي، لكنه سيمنع وجود مواقع جديدة على الأراضي الفيدرالية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»