تُعد دولة القانون أسمى ما تصبو إليه المجتمعات المعاصرة، فلا ينعم أي مجتمع بالسلام والاستقرار ما لم يكن الأمن أساسه والتشريع قوامه، حيث تحمي القوانين مصالح الأفراد من التعدي عليها وتمنع وقوع المشاكل والنزاعات، ما يؤدي إلى تقدم المجتمعات ورقيّها، لذلك كان لا بدّ من وجود القانون الذي يحافظ على حقوق الأفراد وحريّاتهم ويصونها ويحميها، ويحفظ حقوق الدولة من أي ضرر يلحق بها. 
وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على يد الوالد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، على مبادئ العدالة والمساواة والتسامح ومراعاة حقوق الإنسان، حيث آمن، طيب الله ثراه، بحقوق الأفراد في المجالات كافة؛ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمدنية والشخصية. وعكفت الدولة على وضع سياسة عامة لقطاع العدالة والخدمات القانونية، ووفرت بيئة محفزة وقوية، تتماشى مع القفزة والتطور المذهلين اللذين تشهدهما دول العالم المتقدمة. 
واليوم تسهم جهود القيادة الرشيدة في تعزيز مكانة الدولة وتبوئها مراكز متقدمة على العديد من المؤشرات الدولية، الأمر الذي جعلها تتصدر المراكز الأولى على صعيد الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط في مجالات عدة، منها مجال الخدمات العدلية والقانونية، حيث تصدرت الإمارات الدول العربية في نتائج مؤشر سيادة القانون منذ عام 2018 وحلت في المركز الـ 47 على مستوى العالم، وتحسّنت نتيجتها بمعدل زيادة يبلغ 0.48 نقطة في آخر تحديث للمؤشر الذي صدر في أكتوبر، ضمن مؤشرات الحوكمة العالمية، من قبل البنك الدولي للعام الجاري 2020.
وفي هذا السياق الذي يشير إلى نجاح تجربة دولة الإمارات في المجال القانون؛ أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عدداً من المراسيم بقانون لتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية الاتحادي، وقانون المعاملات المدنية الاتحادي، وقانون العقوبات الاتحادي، وقانون الإجراءات الجزائية الاتحادي. وتأتي المراسيم في إطار سعي الدولة المستمر لتطوير بنيتها التشريعية، وتعزيزاً لمكانتها الريادية بكونها إحدى أهم الدول الجاذبة اجتماعيًّا واقتصاديًّا على مستوى العالم، إضافة إلى تأكيد التزامها بترسيخ مبادئ التسامح بما يتفق مع هويتها، والعمل على تعزيز قدرتها على استقطاب الخبرات والاستثمارات الأجنبية.
وتتيح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية وقانون المعاملات المدنية المجال لغير المواطنين اختيار القوانين التي تطبّق على تصرفهم في شؤون الميراث والتركات، وذلك لتحقيق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب في الدولة، في حين تعمل التعديلات على قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية على تعزيز ضمان الحريات الشخصية ودعم منظومة الأمن المجتمعي، من دون الإخلال بالثوابت والمكتسبات المجتمعية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم إدخال مجموعة من التعديلات على قانون العقوبات ليتم رفع التجريم عن الأفعال التي لا تضر بالآخرين، وإزالة الغموض عن بعض النصوص التي كانت تعدّ جريمة يعاقب عليها القانون.
وتأكيداً لالتزام الدولة بحماية حقوق المرأة، وتعزيزاً لمبدأ سيادة القانون، تم إلغاء المادة التي تمنح العذر المخفف فيما يسمى «جرائم الشرف»، بحيث تعامل جرائم القتل وفقاً للنصوص المعمول بها في قانون العقوبات.
إن التقدم الذي أحرزته دولة الإمارات في تعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية والعقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، ما هو إلا تجسيد للرؤية الطموحة لقيادتنا الرشيدة في أن تصبح دولة الإمارات في عداد الدول المتقدمة على مستوى العالم بجميع المجالات، وهو انعكاس لقيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب، وهو كذلك تسريع لعجلة التنمية الاقتصادية، وتطوير العلاقات الجيوسياسية الإيجابية لرفع راية الدولة في المحافل الدولية كافة، كما تبيّن تعديلات الأحكام هذه أن سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ حقوق كل فئات المجتمع، دعامات أساسية يكفلها الدستور ويحميها القضاء المستقل.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية