من عام إلى آخر يتعزز نهج التسامح والتعايش في دولة الإمارات التي أصبحت عاصمة عالمية لهذه القيمة الإنسانية الرفيعة التي تقوم على مبادئ وقيم سامية تعلي من قيمة الإنسان وترسخ احترامه وتقديره وصون إنسانيته وكرامته من دون تمييز، وتكرس ثقافة التقارب بين بني البشر، وتجاوز حواجز العرق والمعتقد واللون واللغة التي قد يحاول بعضهم استغلالها للتفريق بينهم، ومنعهم من التعاون على ما فيه تقدمهم وازدهارهم.
بهذا النهج الذي وضع أسسه وقواعده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، جسّدت دولة الإمارات مبدأ تكامل وتلاقي الحضارات في سياق سعيها إلى نفي فكرة (صِدام الحضارات) لأن مفهوم الحضارة والتحضر الذي يعني انتقال الإنسان من واقعه الذي يعيشه إلى واقع أفضل وأكثر تطوّرًا وازدهارًا وانفتاحًا وتعاونًا مع أقرانه من بني البشر في سبيل حياة أفضل، لا يستقيم مع الصراع والتنافر ورفض الآخر والتنكر له ولحقوقه في الوجود والحياة، وأسست مبادئ جديدة في العلاقات بين الأمم والشعوب تتمثّل في تعزيز الاحترام المتبادل والسعي من أجل التكامل واحترام الخصوصيات، وتحويل الاختلاف إلى فرصة للتنافس على تحقيق إنجازات تعود بالنفع والفائدة على البشرية كلّها.
لقد آمنت دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة وشعبها المحب للخير والسلام، بأنّ الحكمة والاعتدال والتوازن، ونهج الحوار والتفاهم والتعاون بين دول العالم وشعوبه لنشر السلام وإفشاء المودّة، تشكّل احتياجات مُلحّة للبشرية جمعاء، التي هي أحوج ما تكون اليوم في ظل ما تمرّ به من ظروف وما تواجهه من تحديات، في مقدّمتها انتشار الأوبئة والأمراض والإرهاب والفقر التي تشكّل ثالوثًا يهدد استمرار الحياة على هذا الكوكب، وينذر بنسف الكثير من المنجزات الحضارية التي تحققت للإنسان على مرّ العصور.
وانطلاقًا من هذا الإيمان لم تتوانَ الإمارات يومًا عن العطاء والبذل، ولم تتأخر عن واجب، حتى باتت مثالًا يُحتذى به في تعظيم قيمة الإنسان والسعي إلى ما فيه خيره، وأيقونة للتآخي والتعايش تجمع ولا تفرّق، وتنبذ المشاعر السلبية والنعرات التي تذكي مفاهيم التعصُّب والتطرّف والكراهية وتدفع نحو رفض الآخر ونفيه وإلغائه، وتبذل كل ما في وسعها في سبيل تحقيق الانسجام والتعاون بين الدول والشعوب وتعاونها لما فيه أمنها وازدهارها واستقرارها.
لا جدال في أن التسامح وقبول الآخر واحترامه هي قيمة أخلاقية رفيعة وسلوك حضاري يدلّ على سلامة الفطرة ونقائها ويبين مستوى الرقيّ والتطوّر الفكري، ويشكل قاعدة أساسية وركيزة مهمّة من ركائز الازدهار على المستويات كافة، لأنه يعزز التعاون بين الناس أيًّا كانت خلفياتهم العقائدية ومهما اختلفت مشاربهم الفكرية لما فيه خيرهم ورفاهيتهم، ويساعدهم على تجاوز الخلافات والنظرات الضيقة المحدودة للمصالح، ويمكّنهم من توحيد جهودهم ومساعيهم في سبيل رخائهم ورفاهيتهم والارتقاء بنوعية حياتهم وجودتها.
ولأنها تقرن القول دائمًا بالفعل، تحرص الإمارات على استمرار الزخم في المبادرات التي تستهدف نشر التسامح وتعزيزه إذ لا يكاد يمرّ عليها يوم من دون أن تشهد فعالية تشجّع على تبني هذا الخُلق وجعله أسلوب حياة، وفي هذا السياق يأتي انعقاد المهرجان الوطني للتسامح الذي يقام سنويًّا وتنطلق فعالياته لهذا العام، يوم غدٍ الإثنين، ولمدّة أسبوع، تحت شعار «على نهج زايد» ليؤكّد مجددًا أنّ دولة الإمارات ستظل على عهد الشيخ زايد، رحمه الله، في التواصل الإيجابي مع العالم ونشر التسامح والأخوة الإنسانية، وستبقى على مرّ الأيام وطن التلاقي الإنساني والعيش المشترك، تجمع على أرضها الطيبة كل طامح للحياة الكريمة من دون تمييز، وتدعو إلى المحبّة والتآخي بين الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وتسعى بكلّ ما أوتيت من عزيمة إلى إفشاء السلام وترسيخ التسامح في نفوس مواطنيها والمقيمين فيها وزائريها، وتفاخر العالم بقيادتها الرشيدة التي جعلت من وطنها مثالًا يحتذى به في العيش المشترك وتحقيق الانسجام بين مكونات مجتمع يضم جاليات تنتمي إلى أكثر من 200 جنسية وجعله واحدًا من أسعد شعوب العالم.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.