وقت كتابة هذه السطور لم تكن النتيجة النهائية لسباق الانتخابات الرئاسية الأميركية قد ظهرت، وإنْ كانت التوجهات تشي ساعتها بفوز المرشح «الديمقراطي» جوزيف بايدن، ورفض الرئيس ترامب لما جاءت به صناديق الاقتراع، انطلاقاً من التزوير الذي شاب العملية الانتخابية على حد تعبيره.
ومع ظهور تلك الكلمات للنور، ربما يكون إعلان بايدن رسميا كرئيس جديد لأميركا قد حدث، وساعتها ستكون فرق المحامين والمستشارين الذين أعدهم الرئيس ترامب في طريقهم إلى المحكمة الأميركية العليا في واشنطن للدفع ببطلان النتيجة، وطلب إعادة فرز صناديق اقتراع ولايات بعينها، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية قد دخلت بالفعل وسط عاصفة هوجاء من الخلافات الجذرية، تلك التي يحتمل لها أن تؤثر على سلامة البنى الهيكلية الأميركية، على كافة الأصعدة، ما يجعل علامة الاستفهام: «هل تضحى المحكمة العليا طوق النجاة الذي يستنقذ الأميركيين؟»
لعل أفضل فعل قام به الآباء المؤسسون في تاريخ أميركا هو فكرة إخضاع السلطات لبعضها بعضاً، بحيث لا تتمكن واحدة منها فقط الانفراد بمقدرات الشعب الأميركي، فجعل السلطة التشريعية المتمثلة في الكونجرس تلعب دور الرقابة على الرئيس، وأعطى الرئيس حق استخدام «الفيتو» في بعض الحالات ضد قرارات الكونجرس، وفي المنتصف تقف السلطة القضائية لتحكم في الخلافات التي تنشب بين الطرفين، لا سيما المحكمة العليا، تلك التي يعين الرئيس قضاتها، وعلى مجلس الشيوخ تثبيت هذا التعيين.
في هذا السياق يتوقع الجميع أن تكون المحكمة العليا الأميركية ساحة واسعة لمعركة ستطول الأيام القادمة، وكأن التاريخ يعيد نفسه إلى عام 2000 حين اشتد الجدل بين المرشح «الجمهوري» جورج بوش الابن، ومنافسه «الديمقراطي» آل جور، على أصوات ولاية فلوريدا. الفارق هذا العام ليس خمسمائة صوت كما الحال منذ عقدين من الزمن، إذ يصل في بعض الولايات مثل بنسلفانيا إلى نحو خمسمائة ألف صوت، وهناك مطالب بإعادة فرز أصوات ولايات بأكملها، الأمر الذي يجعل فرحة «الديمقراطيين» منقوصة، ولو ثبت التزوير بالفعل، لربما يتغير مصير الانتخابات، وبهذا تدخل أميركا دوامة من الاضطراب الداخلي، والذي يفضي إلى الاحتراب الأهلي في نهاية الأمر.
السؤال الجوهري والخطير: «هل قضاة المحكمة العليا في الداخل الأميركي مسيّسون بطبعهم؟ الشاهد أن معركة عام 2000 أثبتت بالفعل أن القضاة مثل الساسة الآخرين لهم أهداف سياسية، بل لديهم تفضيلات سياسية ويتصرفون بناء على ذلك من أجل تحقيق هذه الأهداف، وفي حين يعد النظر إلى القضاة باعتبارهم «مشرعين يرتدون عباءة القضاء»، أمراً متناقضاً مع فكرة أن القضاة يحكمون طبقاً لفلسفة قانونية محكمة التدبير قائمة على القانون الدستوري، فهناك أدلة على أن التفكير الاستراتيجي من جانب القضاة هو أيضاً عامل من عوامل عملية اتخاذ القرار الخاصة بهم.
كيف سيكون مشهد المحكمة العليا الأميركية هذه المرة؟ بنظرة سريعة نجد أننا أمام تسعة قضاة: 6 منهم من الـ«محافظين» و3 ليبراليين، وإن ترامب نفسه قد عيّن ثلاثة منهم، كان آخرهم، القاضية «إيمي باريت»، التي تنتمي للتيار الكاثوليكي الأميركي المتحفظ. هل سيكون هؤلاء الستة طوق نجاة لترامب؟ 
الواقع يخبرنا أن الأجدر بهم أن يكونوا أداة إنقاذ لأميركا، قبل أن يعود الأميركيون إلى عض أصابع الندم، كما حدث عام 2000، ذلك أنه بعد مغامرات جورج بوش الابن تساءل البعض عن: «آل جور الذي ضيعناه»، بحسب تعبير «توماس فريدمان» منظر العولمة الشهير.
الخلاصة أن أميركا تمر على جسر من الافتراق لا الوفاق.
*كاتب مصري