بصعود المعرفة ورأس المال البشري كمورد اقتصادي أساسي في الحياة الاقتصادية المعاصرة، تزيد ضرورات تعليم الفلسفة للتلاميذ الصغار لأجل إعدادهم لمرحلة تشكل فيها مهارات التفكير والفكر الناقد والإبداع، مؤهلاً لا يمكن تجاوزه في الأسواق والأعمال، وقد بدأت الدول المتقدمة بالفعل في تحويل الفلسفة إلى مفاهيم وأفكار ومهارات، يمكن أن يستوعبها التلاميذ في المدارس بمرحلة مبكرة.
ومعلوم بالطبع أن الفلسفة كانت على الدوام مساقاً معرفياً صعباً، يجد الكبار والطلاب في الجامعات والثانويات صعوبة في تعلمه واستيعابه، وجرت العادة على تجنب تعليمه للتلاميذ في المراحل الابتدائية، لكن بدأت دور النشر والمؤسسات التعليمية تقدم كتباً فلسفية موجهة للأطفال، وفي الفضاء العربي قدمت إحدى دور النشر التي تركز على ترجمة الأدب السويدي والاسكندنافي مجموعة من الكتب المترجمة في هذا المجال، كان أولها قبل حوالي 25 سنة كتاب «عالم صوفي»، وهو رواية فلسفية من تأليف الكاتب النرويجي «جوستاين غاردر»، وتستوعب الرواية على نحو مشوق المقرر الفلسفي لطلاب المرحلة الثانوية، ثم صدر للمؤلف نفسه ترجمة لرواية «فتاة البرتقال»، وهي رواية فلسفية جميلة عن الحياة والموت، ومؤخراً صدرت ترجمة لكتابين فلسفيين موجهين للتلاميذ في سن العاشرة، وهما «أن تفكر بعمق»، وكتاب «بالتأكيد نعم أو ربما لا» من تأليف «ليزا هاجلوند» و«أندرس ج. برسون»، وهما مؤلفان سويديان، وهناك أيضاً كتب أخرى مثل «معنى الحياة»، و«آربيد يبحر» بعيداً؛ تأليف «راجنار هلسون»، ولكن تظل الكتب الفلسفية الموجهة للصغار قليلة جداً حتى في الدول المتقدمة، وتفعل خيراً الهيئات الثقافية ودور النشر إذا اهتمت بترجمة هذه الكتب لمساعدة المدارس والأسر والأطفال على اكتساب المعرفة الفلسفية، لكن لا بد أن تبدأ الهيئات التعليمية فوراً بإدخال مساقات الفلسفة ومهارات التفكير إلى جميع المراحل الدراسية.
فالفلسفة هي القاعدة المعرفية الأساسية لاكتساب الإبداع والتفكير الناقد وتطوير الذات الفاعلة، بما هي اليوم مركز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورأس المال البشري، وهكذا تتحول الفلسفة إلى مورد أساسي للمؤسسات الاقتصادية والتنموية، ولم يعد في مقدور الشركات ودوائر الموارد البشرية والتدريب أن تتجاوز مهارات الإبداع والتفكير الناقد في التكوين التدريبي للعاملين والمديرين في جميع المؤسسات العامة والخاصة. 
الموارد بطبيعة الحال لا تكتشف كشيء مجهول لم يكن معروفاً من قبل، ولكن التطورات الاقتصادية تزيد أو تقلل أهمية موارد، فتصعد المهارات والموارد والأعمال تبعاً لاتجاهات وتطور التكنولوجيا والاقتصاد، النفط على سبيل المثال كان معروفاً ومستخدماً على مدى التاريخ ومنذ آلاف السنين، لكن الثورة الصناعية جعلته المورد الأكثر أهمية في الاقتصاد المعاصر، لأن التكنولوجيا والمحركات والمصانع والأجهزة لا تعمل، ولا تنتج من غير النفط، واليوم فإن الثورة الصناعية الرابعة، بما هي تحويل الذكاء والمهارات والمعارف الإنسانية إلى تكنولوجيا تعتمد بشكل أساسي على القدرة على الخيال والإبداع والتفكير والاحتمالات، لأن البرامج والتطبيقات الحاسوبية تعكس في واقع الحال قدرة الإنسان على فهم ذاته فهماً عملياً، وتحويل هذا الفهم إلى تكنولوجيا، ثم وبطبيعة الحال موارد وأعمال وأسواق. 
والحال أن الفلسفة ممارسة يومية تتصل بالطبع الإنساني والفرادة البشرية، وليست كما غلب على تصورات وأفكار معظم الناس عمليات ذهنية وتأملية معزولة عن العلم والحياة، والفلسفة تتقدم دائماً باتجاه المناطق والمساحات التي لم يصل إليها العلم، ولأن المساحات المجهولة في الأسواق والأعمال الحاضرة والمستقبلية، تزيد عما قبل تزيد بطبيعة الحال أهمية الفلسفة.