تنتمي تركيا وفرنسا إلى التحالف نفسه، ألا وهو حلف «الناتو». ومن غير المألوف أن تصل دول أعضاء في التحالف نفسه إلى هذا الحد من التوتر. وإذا كانت أسباب الخلاف بين باريس وأنقرة عديدة، من ليبيا، إلى سوريا، إلى ناغورنو قرة باغ، مرورا بشرق المتوسط، فإن إردوغان تعدى مؤخراً عتبة مهمة، ومرحلة خطرة، من خلال «قلقه» على الصحة العقلية للرئيس ماكرون. وبالتالي، فإن الأمر لم يعد يتعلق باللغة الدبلوماسية، وإنما بمجرد الكياسة واللياقة. والحال أن الاحترام الواجب تجاه الزعماء الآخرين، يحظر هذا النوع من التصريحات. 
ولكن، لماذا تصرف أردوغان على هذا النحو؟ وما هي أهدافه؟
الواقع أن أردوغان يريد الظهور بمظهر المنافح عن المسلمين، ليس في تركيا فقط، وإنما في العالم بأسره. فلديه مشروع يوصف بـ«الإسلامي». فمؤخرا، قام بتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد. واليوم، يحاول استغلال الفرصة من أجل شيطنة إيمانويل ماكرون، حتى وإنْ اقتضى الأمر تحريف تصريحات هذا الأخير من أجل تصويره على أنه عدو للإسلام، الذي سيتولى هو حمايته. 
وبالتوازي مع ذلك، انطلقت حملة مقاطعة للمنتجات الفرنسية في بعض البلدان المسلمة، القريبة من تركيا، وذلك بهدف معاقبة فرنسا على سياسة تصوَّر على أنها معادية للإسلام. هذه الحملة ما زالت محدودة في الوقت الراهن، وتأثيرها الاقتصادي أو السياسي ما زال ضعيفا نسبيا. 
ولكن، كيف ينبغي التعامل مع أردوغان؟ الواقع أن مصلحة ماكرون لا تكمن في القيام برد فعل مماثل. ذلك أنه لا يلعب الدور نفسه الذي يلعبه أردوغان على الصعيد الدولي. ولا شك أنه ينبغي رفض مثل هذه الإهانات، غير المقبولة تماما، بكل حزم، ولكن بدون أن يعني ذلك اللجوء إلى هذا الأسلوب من الرد. 
أما في ما يتعلق بالدعوة إلى المقاطعة، فمن المهم والمفيد إعادة تعريف ماهية الخطاب الفرنسي حول العلمانية الفرنسية. ذلك أن تصريحات إيمانويل ماكرون بخصوص الإسلام تعرضت للتحريف والمبالغة. ثم أضيفت إلى ذلك تصريحات مسؤولين، أو غير مسؤولين، سياسيين فرنسيين شوشت مفاهيم الإسلام والإسلاموية والمسلمين. والحق أن هناك مزايدات في بعض قطاعات الرأي العام تهدف أو تؤدي إلى وصم المسلمين بشكل جماعي. وهذا الأمر لا ينطبق على الرئيس ماكرون، غير أن هذا النوع من النقاشات موجود ويتابَع في الخارج. وعليه، ينبغي بكل بساطة تبني حوار بيداغوجي حول العلمانية الفرنسية، ولكن ينبغي أيضا مكافحة التمييز ضد المسلمين. وهو ما يسعى إليه في الوقت الحالي خطاب ماكرون، وإن كان بعض الزعماء الفرنسيين يريدون دفعه نحو ساحة أخرى. 
ولا شك أن النقاشات والانزلاقات المتعددة الموجودة في فرنسا، والتي يمكن وصفها بـ"العلمانية المزيفة"، لديها تأثير في الخارج. والحال أن فرنسا كانت تتمتع بصورة جيدة وشعبية واسعة في العالم العربي والإسلامي بالنظر إلى سياسة ديغول وميتيران ثم شيراك ورفضه حرب العراق. بيد أن جزءا كبيرا من هذا الرصيد ضاع وتبدد. ذلك أن النقاشات غير العقلانية والعنيفة، والواصمة للمسلمين أحيانا، ومع أنها لا تمثّل السياسة الرسمية لفرنسا، إلا أن لديها وقعاً في البلدان المسلمة، ولكن أيضا في البلدان غير المسلمة. ففي أغسطس 2016، حينما اندلعت ضجة في فرنسا برمتها حول مسألة «البوركيني»، تحدث العديد من سفراء فرنسا، خلال مؤتمر السفراء، عن المشاعر الملتهبة التي أثارها هذا النقاش شبه الهستيري في الخارج؛ ذلك أن النقاش حول هذه المسألة تشنج على الصعيد الوطني وانعكس على صورة فرنسا في الخارج. 
وخلاصة القول: يجب الدفاع عن العلمانية الفرنسية «الحقيقية»، والترويج لها بما هي حماية لكل شخص، ولحرية الجميع، وعدم وصم أي دين من الأديان. كما ينبغي تمييزها عن «العلمانية المزيفة»، التي ليست سوى ذريعة بالنسبة لبعض الأشخاص، إما اقتناعاً – لأنهم لا يحبون المسلمين – أو من باب الانتهازية -- لأنهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة سيستغلون الوضع – أو خوفاً من المجازفة عبر عدم السير في الاتجاه الممنوع.