قال الله تعالى في سورة الشعراء (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، وكم استوقفتني هذه الآية لتقييم نفسي وأخلاقي وأساليب تعاملي مع الآخرين، وما أقدمه من عمل يرفع علم بلادي عالياً، لقد علمتني الحياة أن الناس لهم معادن بعضها ينصهر بسرعة وبعضها قابل لنقل الحرارة والبرودة بسرعة فائقة أو ببطء شديد، وغيرها يكون غالي الثمن، وبعضها رخيص، وبعضها متوفر، وغيره نادر، وكثير منها يصدأ، وإن كان ثقيلاً وغيره يلمع وأصله باهت، وآخر يقاوم الطبيعة ولا يميل إلى اللمعان. هذه معادن الأرض التي امتصت طاقتها الكامنة وهي تعكس نفسها في مرآة الإنسان، وعندما قالت لي مريم: إن مديرها يغار منها لأنها تفوقه جمالاً وأخلاقاً في عيون الناس وعقولهم قلت لها: «أختي العزيزة، هذا هراء فهو حاصلٌ على درجة علمية أعلى منك مكانةً.. ولا يطلق عليه من حوله اسمه الأول بل هو بو فلان.. أيتها المسكينة الغيرة مرضٌ لا يستهان به، لقد أدرجه علماء النفس ضمن أمراض العقل حاله حال الاكتئاب وازدواج الشخصية»، فسرحت المسكينة وهي تنظر إلى غصنٍ هزه الشوق وقالت بعزمٍ وثبات «إذن هو كالذين قال الله عنهم: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) فقلت لها يا صديقتي العزيزة: «القلوب أنواع ومنهم من وصفه ابن القيم الجوزية بأنها قلوبٌ لا حياة فيها بل يملأها النفاق والتعالي على الناس وإثارة الفتن وفرد العضلات، وهناك القلب المتقلب بلا ثبات يفز لعمل كل ما يسند موقف صاحبه ويميل إلى مصلحته، وهناك قلوب مثل قلبينا وهو القلب السليم الصالح السالم من الغلّ والحقد، قلبٌ مؤمنٌ بالله تعالى إيماناً صادقاً قويّاً مليئاً بالاطمئنان والرضا والتوكّل».
في عصر ذلك اليوم بعثت لي خالتي سلامة قرص مفروك وخبيصة ودلة قهوة مقندة وفي «غاية المراد» فسألت عن سليم، سائقها المخضرم فقال لي من أحضر الفوالة: «سليم يروح بلاد.. قلب سليم ما في زين.. الحين سليم سوى عملية كل بيبات جديد ركب الحين قلب مال هو فيه مضبوط مية مية»، رفعت يدي بالدعاء لسلامة سليم وقلبه، وتذكرت حواري مع صديقتي فقلت في خاطري: «قد يحتاج بو فلان أن يزور طبيب سليم.. ليصبح قلبه سليماً!».
للعارفين أقول، فرضت علينا ثقافتنا والحضارة العربية العريقة وبيئة نشأتنا، أن لا يكون في قلوبنا إلا ما يليق بهذا الوطن وعندما نعطي نذهب إلى أبعد الحدود، ولا نخاف إن متنا فداء وطننا فأبناؤنا في يدٍ أمينة من بعدنا، ونرجو منهم أن يردوا الجميل بما هو أجمل، صباح الصفاء وقلوب من ذهب لا يصدأ ولا يغيره طقس الحياة!