تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف البشر يعيشون حالياً في مناطق حضرية، وأن عدد سكان المدن سيزيد بأكثر من مليار نسمة بنهاية العقد الحالي، مع التوقع باستمرار ازدياد هذه النسبة خلال العقود القادمة، ضمن ما يعرف بظاهرة التمدين، وبالتبعية تركت هذه الظاهرة بصمتها على الحالة الصحية لقاطني المدن، حيث أدى التمدين المتسارع في فترة وجيزة، إلى زيادة في الوفيات الناتجة عن الأمراض المزمنة المرتبطة بنوعية ونمط الحياة.
ومؤخراً، نتجت عن وباء كوفيد19 آثار فادحة على صحة وحياة قاطني المدن، بسبب صعوبة تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، حيث غالباً ما تتميز المدن بالازدحام في وسائل المواصلات، والطرقات، والأسواق، وغيرها من الأماكن العامة، وبخلاف مئات الآلاف من الوفيات بين سكان المدن، أدت أيضاً الإجراءات الهادفة لمنع المزيد من انتشار الفيروس إلى خسارة الملايين لوظائفهم ودخلهم اليومي، مما فاقم من الشعور بفقدان الأمن الغذائي لدى الكثيرين، ووضعهم تحت ضغوط نفسية وعقلية هائلة، كما أن قطاع الرعاية الصحية في المدن تعرض لضغوط هائلة، دفعت به إلى شفا الانهيار التام في العديد من الدول، وأدت إلى تراجع مستوى وكفاءة الخدمات الصحية للعديد من المرضى بأمراض مزمنة أو حادة وخطيرة، وهو ما يعرف أحياناً بالوباء الخفي المصاحب لوباء كورونا الحالي.
هذه الجوانب المختلفة لتأثير كوفيد19 على سكان المدن، كانت محل مؤتمر دولي تحت عنوان «ما بعد كوفيد19: المدن على خط المواجهة لمستقبل أكثر صحة» عقد يوم الخميس الماضي، بالتزامن مع اليوم العالمي للمدن (World Cities Day 2020)، والذي يحل كل عام في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر.
وركز المشاركون في هذا المؤتمر على السبل التي يمكن من خلالها للمدن وقاطنيها في مختلف أصقاع الأرض، البدء في التعافي وإعادة بناء اقتصاداتها، ورتق نسيجها الاجتماعي الذي تمزق خلال الشهور القليلة الماضية، فرغم تحديات الوباء الحالي، إلا أنه قد يعتبر فرصة لإعادة تحديد المعايير الصحية للحياة في المدن، بحيث يؤخذ في الاعتبار ضرورة تشريع السياسات الهادفة إلى رفع مستوى صحة المجتمع ككل، ومجابهة الفروقات في نوعية الخدمات الصحية التي تعاني منها بعض فئات المجتمع، مع مكافحة التلوث والتدهور البيئي الذي تعاني منه المدن، لما له من تبعات فادحة على زيادة أعداد المصابين، وأعداد الوفيات في زمن الأوبئة.