شأنَ الناجحين جميعاً، دولاً ومؤسسات وأفراداً، لا تنتظر دولة الإمارات العربية الوقائع والأحداث لتحدّد - من ثمَّ -أسلوب التعامل معها، بل تتأهب لمواجهتها وهي لا تزال في طور التشكل، أو ما قبل ذلك. وكانت جائحة «كوفيد - 19» تطبيقاً عملياً لمفهوم الجاهزية في مواجهة التحديات، فعلى الرغم من أن المرض ذاته لم يكن معروفاً، فإن فكرة التحسب لمواجهة انتشار الأوبئة وأشكال العدوى كانت حاضرة في التخطيط للمستقبل، حيث نصت «استراتيجية وزارة الصحة ووقاية المجتمع للابتكار 2019 - 2021» على «رفع الجاهزية للوقاية من الأمراض والأوبئة واستشرافها مسبقاً». ومن جهة ثانية، فقد تواصلت، بوتيرة نشطة، عملية رفع كفاءة النظام الصحي بكامله ليكون مؤهلاً للتغلب على أي تحدٍّ مهما بلغت شدته.
وقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، خلال محاضرة عن جائحة كورونا، بمجلس سموه في 13 مايو 2020، عن الفكرة السابقة بشكل أوسع وأشمل، بقوله: «نرى الكثير من الدول التي نتعامل معها أين وصلت. والحقيقة أن من لم يتمكن من البناء في الماضي، وليس مؤسسة صحية فقط، بل لم يتمكن من بناء كوادر بشرية وتحصين نفسه بالطريقة الصحيحة، فإن الصدمة كانت قوية جداً عليهم».
واليوم نستحضر الفكرة ذاتها مع خطوة استباقية كبيرة اتخذتها دولة الإمارات، وهي إعلان «اللجنة العليا لإدارة أزمة كوفيد - 19» تشكيل «اللجنة الوطنية لإدارة وحوكمة مرحلة التعافي من أزمة جائحة كوفيد - 19» برئاسة معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة. ويشير تشكيل اللجنة في هذا التوقيت إلى الاستعداد المبكّر للتعامل مع كل الظروف المُستجدة التي ستصاحب مرحلة التعافي من الجائحة، وتحديد أنسب الوسائل والطرق لمعالجة الأضرار التي تعرَّضت لها القطاعات المختلفة، من خلال حزم من الإجراءات التي يُراعى، وفقًا لمفهوم الحوكمة الوارد في اسم اللجنة، «تنسيقُها والربطُ بينها، ويتم من خلالها الاستغلال الأفضل للموارد القائمة، وإدارتها بصورة سليمة، وفق معايير تشمل الكفاءة والفاعلية والاستدامة والآثار المترتبة عليها». وتتجسد هذه العناصر في أهداف اللجنة التي تشمل «تعزيز الإمكانيات والتدابير اللازمة للتعافي واستمرارية الأعمال والخدمات، إضافة إلى وضع برامج دعم استباقية للمؤسسات من خلال تحديد الأدوار والمسؤوليات وقياس مؤشرات الأداء الاستراتيجية والتشغيلية لضمان عودة الحياة الاعتيادية للمجتمع».
وتشمل عضوية اللجنة وزارات ومؤسسات وهيئات اتحادية ومحلية وشركات، من بينها وزارات شؤون الرئاسة، والداخلية، والدفاع، والخارجية والتعاون الدولي، والصحة ووقاية المجتمع، والاقتصاد، والمالية، والتربية والتعليم، والموارد البشرية والتوطين، وتنمية المجتمع، والطاقة والبنية التحتية، والصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، والأمن الغذائي والمائي، ومكتب رئيس مجلس الوزراء، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، والأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن الوطني، ومكتب أبوظبي التنفيذي، والهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، والمكتب الإعلامي لحكومة الإمارات، والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، والمجلس التنفيذي لإمارة دبي، إضافة إلى ممثلين من مصرف الإمارات للتنمية، وشركة «أدنوك».
وتعتمد اللجنة في عملها على وجود مستوى عالٍ من كفاءة التنسيق بين مؤسسات الدولة، يستند إلى كفاءة العمل الحكومي عموماً، وما أرساه من قيم وتقاليد عبر سنوات طويلة من التطوير، أثمرت احتلال الدولة المرتبة الثالثة عالميّاً في مؤشر «الكفاءة الحكومية» في «تقرير التنافسية العالمية السنوي 2020». وتستفيد اللجنة كذلك من تراث التجارب السابقة للعمل الناجح ضمن فرق ولجان مشتركة، وهو ما يُسهِّل تحقيق التناغم والانسجام الكاملين بين الأعضاء الذين يدركون جيدًا المهام المنوطة بهم، وموقعها ضمن الصورة الأشمل التي تضم أعضاء اللجنة جميعاً.
أخيرًا، فإن تشكيل هذه اللجنة يحمل في طياته أملاً وبشرى بقرب انتهاء الظل الكئيب للجائحة، وانحسار تداعياتها المؤلمة التي شملت كل أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن أجواء الأمل لم تغب أبداً في دولة الإمارات حتى في ذروة احتدام الجائحة، فإن الخطوة الأخيرة تضيف الكثير إلى رصيدنا من التفاؤل والتطلع إلى المستقبل بمزيد من الثقة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية