مرت الهند بفترة اقتصادية صعبة بعد أن فاقم الإغلاق صعوبة الوضع الاقتصادي. لكن مدى خطورة الأزمة تجلى في أحدث بيانات لصندوق النقد الدولي بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي نُشرت في الأيام القليلة الماضية. فقد أشارت تقديرات الصندوق إلى أن الإنتاج المحلي الإجمالي للهند سيشهد تقلصاً يزيد على 10% عام 2020. وكان صندوق النقد قد توقع قبل شهور قليلة تقلصاً يبلغ 4.5% في الاقتصاد الهندي. 
والأنباء ليست جيدة للهند لكن ما يمثل تناقضاً حاداً، هو أن نصيب الفرد من الدخل القومي للمواطن البنجلادشي يتوقع أن يكون أكبر من نصيب المواطن الهندي من دخل بلاده عام 2020. وكانت الهند ذات يوم واحدة من أسرع اقتصاديات العالم نمواً. لكن منذ عام 2017، صعد معدل النمو بوتيرة أبطأ، بينما ارتفع المعدل البنجلادشي بوتيرة أسرع. ويتوقع أن ينمو نصيب الفرد من الدخل القومي في بنجلادش بنسبة 4% هذا العام ليصل إلى 1888 دولاراً بينما يتوقع أن ينخفض في الهند بنسبة 10.5% ليصل إلى 1877 دولاراً. 

والبطء الاقتصادي يقدم مادة ثرية لأحزاب المعارضة لمهاجمة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. وحزب المعارضة الرئيسي، «المؤتمر الوطني»، انتقد الحكومة لتقاعسها عن كبح بطء النمو الاقتصادي. وطرحت البيانات الجديدة أسئلة على الحكومة في غمرة تكهنات بأن بنجلادش ستتقدم قريبا على الهند. ومرت الهند بفترة اقتصادية صعبة وسط الأسواق الصاعدة ويحتمل أن تواجه أسوأ رياح معاكسة. وصرح صندوق النقد الدولي أن «تعديل التوقعات جاء كبيرا بشكل خاص للهند (من بين الدول الصاعدة) حيث تقلص الإنتاج المحلي الإجمالي بشدة أكبر بكثير مما كان متوقعا في الربع الثاني». وأشار الصندوق إلى أن «كل الأسواق الصاعدة ومناطق الاقتصاديات النامية يتوقع أن تتقلص هذا العام وتحديداً الاقتصاديات الصاعدة في آسيا حيث ما زالت اقتصاديات كبيرة مثل الهند وأندونيسيا تحاول السيطرة على الجائحة». 

وتوقعات الصندوق تشير إلى أن التقدير جاء أسوأ مما كان متوقعاً داخل الهند. فقد توقع البنك المركزي الهندي تقلصا بنسبة 9.5% في الإنتاج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية. وتواجه الهند بالفعل اقتصاداً بطيئا ومشكلة تصاعد البطالة حتى قبل انتشار فيروس كورونا وإشاعته الاضطراب في الاقتصاد العالمي. وبلغ النمو أدنى مستوى في ست سنوات عند 4.7% في الربع الأخير من عام 2019. وأدى فرض الحكومة الاتحادية لإغلاق صارم في مارس هذا العام توقفا كاملا للنشاط الاقتصادي. وهذا عطل تماماً سير الاقتصاد الهندي وأدى إلى خسائر في الوظائف ودمار في النمو. فقد تراجع النمو 23.9% بين أبريل ويونيو. 

وما زالت التقييمات تجري بشأن تأثير الإغلاق الذي دام شهرين تقريبا في كبح انتشار الجائحة لكن لا شك في أنه أضر بالاقتصاد بشدة مع خسارة مئات العمال المهاجرين لوظائفهم وانخفاض الطلب بسبب إغلاق الأنشطة الاقتصادية والصناعات. ولذا يتوقع أن يتقلص الاقتصاد الهندي بنسبة تتراوح بين 5% و10% وهو أضعف أداء فيما يقرب من أربعة عقود وفقا لتقييمات متعددة. 

وسعت الحكومة لمساعدة الاقتصاد بحزمة تحفيز اقتصادية تبلغ قيمتها 20 تريليون روبية، فيما اعتُبر دعماً غير كاف. وهذا يتضمن ثلاثة تريليونات روبية في صورة قروض بلا ضمانات للأنشطة الاقتصادية الصغيرة كجزء من مسعى للخروج بالبلاد من الضيق الاقتصادي الذي سببته جائحة كوفيد-19. والحزمة الثانية من التحفيز أُقرت في الأيام القليلة الماضية في غمرة انخفاض إنفاق المستهلكين. وأحدث صفقة تحفيز تستهدف دعم الطلب بنحو 730 مليار روبية. والحكومة تقدمت أيضاً بمجموعة أخرى من الإجراءات تشير إليها باعتبارها حزمة تحفيز مالي. والشيء الوحيد الذي يستحق الحفاوة في هذا هو الاعتراف بأن طلب المستهلك ربما يكون في أدنى مستوى له على الإطلاق ويستحق الاهتمام. 
ومع تضخم العجز المالي في الميزانية بالفعل بنسبة 5% من الإنتاج المحلي الإجمالي في العام الحالي، لم يعد أمام الحكومة إلا مساحة ضيقة لتقديم تمويل للإنقاذ من خلال الحوافز المالية والضريبية. وأصرت الحكومة الاتحادية على أن هناك مؤشرات صغيرة تدل فيما يبدو على الانتعاش مع وجود توقعات بأن يصعد النمو العام المقبل. وذكر التقرير الخاص بالاقتصاد الكبير الصادر عن وزارة المالية الهندية في شهر يونيو 2020 أن النشاط الاقتصادي «سار نحو التعافي» في بعض المجالات في مايو ويونيو مع وجود مؤشرات حقيقية على التعافي مثل زيادة استهلاك الكهرباء والوقود وحركة البضائع وتعافي التعاملات المالية وحركة البيع بالتجزئة. 
والاستهلاك هو محرك أساسي للاقتصاد الهندي وتضرر من عدم اليقين الناجم عن خسارة الوظائف وتقليص الرواتب. والأنشطة الاقتصادية وخاصة من الحجم الصغير والمتوسط تكافح كي تتغلب على الاضطراب، الذي أشاعته الجائحة رغم صفقات الحوافز الحكومية. ومازال يتعين علينا الانتظار لنرى مدى السرعة التي ستخرج بها الهند من مشكلاتها الاقتصادية الحالية.