فن الكاريكاتير من الفنون البصرية الجميلة الراقية المهذبة المؤثرة في تناول الأحداث ومعالجتها، وكذلك في صناعة الرأي العام، بما يعبر عنه من آراء بطريقة لاذعة وأسلوب ساخر جميل يتقبله الآخرون من كل الأصناف والأعمار والأديان. وهو يسبر أغوار الحقيقة بطريقة لبقة ومؤدبة لا تزعج الآخرين ولا تنال من كرامتهم أو معتقداتهم أو حريتهم الشخصية، وهو الفن الذي يطلق عليه «المضحك المبكي»، حيث يتم طرح الفكرة اللاذعة بخطوط الفنان الموهوب لإيصال رسالته للجميع، فيتقبلها الصديق والخصم بطريقة سلسلة ومحببة إلى النفس وراقية لا تخدش الحياء ولا تزعج الذوق العام، وإنما تدخل القلوب والعقول بدون إزعاج.
والمتلقي أو القارئ يتلقى الكاريكاتير وهو مبتسم، لأن فن الكاريكاتير ارتبط بخفة الدم وبأسلوب السخرية والمداعبة على نحو لاذع وراق وجميل ومرح.
إلا أن هناك رسومات كاريكاتيرية نُشرت على غلاف مجلة فرنسية مغمورة، وأثارت حولها ضجة كبيرة، كما أثارت حفيظة مسلمي العالم، لكونها رسومات صادمة وغير لائقة، إذ أساءت للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وهي في حقيقتها رسومات باهتة وركيكة ومبتذلة ومتعجرفة، وغير مناسبة مطلقاً لا في محتواها ولا في توقيتها وظرفها وهدفها.
وهي أولاً من الجانب الفني الأكاديمي لا تُصنَّف ضمن الأعمال الكاريكاتيرية الممتازة المبهرة، والتي لها معايير فنية في أصول الفن وإتقان الرسم الجيد المعبر بالفكرة والخطوط والمضمون، والظل والضوء والأبعاد والتكنيك. ولو تأملنا هذه الرسومات لوجدناها بشعة ومنفرة وسيئة التنفيذ والنشر، كما أنها بدائية ورديئة وذات تكنيك ضعيف لا يرتقي إلى أصول ومعايير وأسس فن الكاريكاتير المعتبر ومدارسه الفنية. ذلك الفن المدهش والمذهل في الإبداع، لا يمكن إلا أن يكون مريحاً للذوق العام.
وفي الجانب الثاني المتعلق برسالة فن الكاريكاتير الإبداعية وأهميتها، يشم المتلقي في تلافيف الرسومات الرديئة لهذه المجلة الفرنسية رائحة الكراهية والحقد والعنصرية. وهذا ما تؤكده أيضاً خلفية وأسلوب الرسام الذي رضى لنفسه أن يكون مطية لمؤسسة مفلسة تتسول من وراء عملها المشين شهرة ولو كلفها ذلك اقتراف «فضيحة»! وقد استخدمت المجلة أسلوباً مؤذياً ومشبوهاً في محاولة تنفيذ غرضها، من خلال نشر هذه الرسوم الضعيفة والصادمة للجميع، من أجل تسويق يعالج إفلاسها في وقت تراجعت إيراداتها الإعلانية وعزف المعلنون عن نشر إعلاناتهم في وسيلة إعلام فاشلة في التسويق ولا تتقن المحتوى المؤثر لجذب القارئ الذي لا يرغب في اقتناء مثل هكذا مطبوعة مغمورة فاشلة في عصر تراجع الصحف الورقية وإفلاسها، وتغلب الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي على الصحافة الورقية عامة، وهذه مشكلة عالمية تعاني منها معظم الصحافة الورقية في أنحاء العالم.
إذن هناك وراء الأكمة ما وراءها، من أهداف وتوقيت ورسالة ومضمون، أي الأسلوب الرخيص المستفز والبشع في هذه الأيام.
لا نؤيد الرد على هذه الرسومات المسيئة والمقززة بأساليب الردح والإساءات المضادة، أي الشتائم والسباب والطرق الرخيصة المبتذلة التي انتهجتها هذه المجلة المفلسة، التي أساءت لنفسها ولمهنيتها وحِرفيتها.. وقبل ذلك أساءت لرسالة فن الكاريكاتير الراقي المهذب الذي يتناول القضايا بشكل فني للترويح والإبداع والجمال واحترام الذوق العام.
إنها أعمال ركيكة تفوح منها رائحة الإقصاء والحقد والكراهية للبشر جميعاً، وليس للمسلمين فقط!