من الشارع، حيث كانت قد وقعت للتوّ جريمة قتل مروّعة في إحدى ضواحي باريس، توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الكاميرات مخاطباً شعبه بأسف قائلاً: «أخبركم أنّ أحد مواطنينا قُتل اليوم، لأنه كان يعلّم الطلاب حرية التعبير، وحرية الاعتقاد». 
وكان الرئيس الفرنسي قد انتقل إلى مسرح جريمة قطع رأس صامويل باتي، وهو معلم فرنسي يبلغ من العمر 47 سنة، بيد عبدالله أنزوروف، من أصول شيشانية يبلغ من العمر 18 سنة، انتقاماً منه لأنه كان قد عرض عليهم رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وذلك خلال درس مقرر حول «حرية التعبير». 
ورغم بشاعة هذه الجريمة، فقد لا تكون الأخيرة، إذ سبقتها جرائم أكثر دموية، كالهجوم واسع النطاق الذي نفذه ملثمان اثنان يحملان أسلحة كلاشنكوف على مقر صحيفة «شارلي إبدو» في باريس سنة 2015، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل وإصابة 23 شخصاً، على خلفية نشر رسومات عديمة الذوق، ولا شيء يدل على توقف اعتداءات همجية كهذه، ما دام الغرب اختار أن يكون جنة الديمقراطية. 
فربما يسيل لعاب الإنسان هنا وهناك وهو يرى المواطن الغربي يعطي بصوته الشرعية لمن يحكمه، ويمارس حريته طولاً وعرضاً وبأقل القيود وأخفها، في مجتمعات مختلفة سياسياً، ومتنوعة ثقافياً، ومتعددة دينياً، حيث لا يوجد صوت واحد في أي شأن من الشؤون، ومحظور على الدولة التدخل في تنظيم الشأن الديني، وتتمتع الأقليات بالحقوق المقررة للأغلبية. 
وفي المقابل، هذه الحرية شبه المطلقة لها ثمنٌ يصعب تفادي دفعه، فقطف الورد يصحبه وخز الشوك، لكن الغرب يريد قطف ورد قيمه الحضارية من دون تحمل وخز شوك استغلال تلك القيم، وهي إن حاولت إزالة الشوك تتلف الورد، وقد يكون من المستحيل تجنب تبعات استغلال القيم الغربية إلا بالقضاء على القيم الغربية!
قيم الحضارة الغربية لا تسير في اتجاه واحد، بل قد تتقاطع وتتصادم، فمن جهة، حرية التعبير مقدسةٌ مطلقة، وهي لا توفر أقدس المقدسات حتى للأغلبية، ومن جهة أخرى، أبواب الهجرة مشرعة لاحتضان الملايين من المختلفين دينياً وثقافياً، والكثير من هؤلاء لديهم استعداد لبذل دمائهم رخيصةً في سبيل منع الاقتراب من مقدساتهم ولو بكلمة واحدة، رغم أن قنوات الاعتراض الحضارية متاحة أمامهم: حق الاعتصام، حق المظاهرات، وحق مقاضاة تلك المجلات السخيفة.
فعلى سبيل المثال، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سنة 2018 بأنّ الإساءة إلى النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، لا يمكن إدراجها ضمن حرية التعبير عن الرأي، وذلك تأييداً لحكم سابق صدر عن محكمة نمساوية أدانت سيدة بجريمة الإساءة إلى المذاهب الدينية، بعد أن أدلت بكلام سخيف حول شخصية الرسول. 
عند محاولة التوفيق بين حرية التعبير وفتح أبواب اللجوء والهجرة، من دون وضع سقف لحرية التعبير، ومن دون «توجيه» المهاجرين، ومن دون تلقين اللاجئين «افعل أو لا تفعل»، لأنّ ذلك كله يتعارض مع قيم الحضارة الغربية، تكون النتيجة: قاتل يحمل السكين في الشارع، ورأس ملقاةٌ إلى جانبه على الرصيف.

*كاتب إماراتي