قبل أربع سنوات من الآن، كنت ضيفاً على إحدى القنوات التليفزيونية بالدولة ليلة انتخاب ترامب غير المتوقع. وقبل يوم واحد من إعلان النتائج الحاسمة، انشغلتُ بمحاور اللقاء التي تركز على احتمال فوز هيلاري، وقد استعنت بكتاب هيلاري الذي صدر في حينه «الخيارات الصعبة»، لدعم موقفي إذا ما حالفها الحظ. وتابعت الانتخابات أولاً بأول حتى ساعات الفجر الأولى بتوقيت الإمارات، حيث كانت المؤشرات لصالح هيلاري. وأثناء الاستعداد للذهاب إلى اللقاء فتحت الهاتف، وإذا بترامب قد اعتلى عرش أميركا في صورة أقرب إلى مشهد انقلاب السحر على الساحر.
تواصلت مع القائمين على إعداد البرنامج لمعرفة مستجدات المحاور بعد أن أسفرت النتائج عن فوز ترامب الصادم لأمهر المحللين.
السؤال البديهي: ما رأيك في هذا المشهد، وهل فاجأك؟! أبداً، لأن فوز أوباما هو المدهش، في مجتمع لم يشف بعد من داء العنصرية، كيف يسمح للون الأسود تسيّد البيت الأبيض لفترتين، وهذا من مميزات الديمقراطية الأميركية الملونة.
الانتخابات في أميركا لا تقوم على البطولات الفردية، بل على إتقان قواعد اللعبة الداخلية بالدرجة الأولى، فمشاكل العالميْن العربي والإسلامي ليست على بال المنتخِب ولا المُنتخَب، فأميركا أولاً، مبدأ لا يختلف عليه رئيس، سواء من «الديمقراطيين» أو «الجمهوريين».
أحد فقهاء العلاقات الدولية «يورغ سورنس» يرى أن عقوداً من العولمة النيوليبرالية أسفرت عن تراجع التماسك الاجتماعي - السياسي في الدول الغربية، لأن شرائح واسعة من السكان وقع اعتصارها في سياق التفاوت المتصاعد بين المستويات.
ويجسد شعار هيلاري، إبان التنافس على الرئاسة في الولايات المتحدة، الموضوع السياسي الحالي «الأميركيون البسطاء يحتاجون إلى بطل». ويتركز الاهتمام السياسي على الشؤون الداخلية التي تجسد مجموعة كبيرة من المشكلات في الديمقراطيات الليبرالية المتقدمة، ومجموعة أكبر داخل القوى الناشئة.
ترامب يراهن على ما تحقق من إنجازات في عهده، حيث غرد بـ«تويتر»: منذ يوم الانتخابات 2016، ارتفعت الأسهم بنسبة 50% تقريباً، وبمقدار 9.2 تريليون دولار من حيث القيمة، وأكثر من 5.000.000 فرصة عمل جديدة أضيفت إلى الاقتصاد. لو كان خصمنا قد فاز، لكان هناك انهيار في السوق، سهل وبسيط!
وحذر كذلك من حدوث انهيار اقتصادي في حال عدم إعادة انتخابه، مضيفاً أنه حتى الناخبون الذين لا يحبونه شخصياً، يجب أن يبنوا أصواتهم على النمو الاقتصادي وانخفاض معدل البطالة. 
كيف قدم ترامب نفسه في تجمع تسلا الانتخابي في أوكلاهوما؟ لقد أشار إلى أن الأغلبية الصامتة باتت أكبر من المتوقع، ودعا الناخبين للتفكير في الأشياء التي تم إنجازها في ولايته الأولى، مشيراً إلى أن إدارته أنفقت أكثر من تريليوني دولار لتعزيز المؤسسة العسكرية، وتحويل الولايات المتحدة لأهم دولة في مجال الطاقة، وإعادة الوظائف إلى أوكلاهوما وغيرها من الولايات. ولم يخرج بايدن عن نطاق «أميركا أولاً» عندما ذكر بأنه يخطط للكشف عن اقتراحه بإنفاق 700 مليار دولار على المنتجات والأبحاث الأميركية، ليتحدى بذلك أجندة ترامب القائمة على نهج «أميركا أولاً» بشعار القومية الاقتصادية، وتمهيداً لمواجهة حول المستقبل المالي لواشنطن في عام الانتخابات.
تواجه الولايات المتحدة مشكلات اقتصادية وسياسية داخلية متزايدة، وفي مواجهة هذه الحالة اقترح أحد المعلقين استراتيجية أميركية جديدة، هي «أميركا المستقلة: يجب أن نتخفف من أعبائنا الدولية لنركز على تحسين بلدنا من الداخل». وهو يزعم أن هذه الاستراتيجية تحظى بتأييد قوي بين الناخبين الأميركيين، وبخاصة الشباب منهم، وهناك مؤشرات إلى تنامي قوة هذا التوجه.
*كاتب إماراتي