جاء مولد الهدى، فأشرقت الأرض من مشرقها لمغربها، ومن وقتها لا تزال تعود علينا ذكرى مولده، لنستقبله بكل شغف، آملين أن نغير بأنفسنا للأفضل كل عام، اقتداءً بسنته العطرة، وسيرته البهية، وكما قال الحق في محكم تنزيله: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ»، يا محمد ابن عبد الله، فما كان خُلقك حتى ميزك الخالق به واصفاً إياه بـ«العظيم»؟ وكيف لنا باغتنامه في ظل ظروف العالم التي تبدلت واختلفت كل الاختلاف هذا العام؟
إن سيرة النبي – عليه الصلاة والسلام – ضمت الكثير من المحطات المؤطرة لما قد يمر به الإنسان، تاركاً إرثاً حياً منيراً، حتى في وقت الأزمات، بل إن السنة النبوية هي أول ما وضعت قواعد الحجر الصحي عندما انتشر الطاعون، فطالب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس بالتزام البيوت، حال تفشي المرض. وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها»، وقال أيضاً»: «الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف»، مما يمدنا بضرورة الصبر على هذا الابتلاء والالتزام بالإجراءات التي تصون النفس، وتبعد الإنسان عن الخطر، فلا ضرر ولا ضرار، وهنا تبرز أيضاً الفكرة الحاسمة تجاه المتباهين بقوتهم أمام الوباء، بلامبالاة، بل وبإعاثة العشوائية واللامسؤولية بين الناس، وبخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. 
الأخذ بالأسباب المتاحة والمطروحة، دون اللجوء للإغراق الخرافي، وبخاصة في ظل انتشار وباء «الإشاعات» أكثر من الوباء نفسه، وتنصيب الكثير من الأفراد أنفسهم كخيار منشود لتسويق أنفسهم كل بحسب مجال عمله وتخصصه، ابتداءً من «العطار»، وحتى عالم الذرة، وإدخال العقول في حيز لا تطيق تحمله من كم معلومات هائل بطريقة غير منظمة، تزيد من تعقيد تداعيات الأزمة أكثر مما تقدم له حلولاً وتيسيرات على الناس، وهو المنهج المستقى بالأساس من الدين الإسلامي، وكيف لا يكون ذلك وهي إحدى وصايا سيدنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم – لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل – رضي الله عنهما -عندما أرسلهما إلى اليمن، قائلاً: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا»، وقد كان ذلك في مجال الدعوة، أي تغيير عقيدة، وغرس إيمان ويقين، فكيف بذلك حين يتصل بظرف طارئ وحرج واجهه الناس أجمعين، لا يطيقون معه المزيد من التعسير، والنفور، بل الاستبشار والاقتداء بني الرحمة، من خلال بث الطمأنينة في النفوس. 
إن العالم الجديد «اليوم»، أحوج ما يكون لارتداء قلنسوته الأصيلة التي تأخذ من الإرادة سلاحاً، لمواجهة التحديات، وقهر الأزمات، وتشكيل الاستفهام الاستنكاري «أليس حلماً؟»، من حروف «المستحيل» لتذكرنا ذات الكلمة بأن كل إنجاز عظيم حَلَّقَ من شرنقة الحلم، وأن كل إتقان يبصر النور من رحم الإيمان، وهذا نهج نبوي غفل عنه كثر، جرياً وراء الشعارات الرنانة لـ«الطاقة الإيجابية»، وغيرها رغم أن المصطفى العدنان، أرشدنا قبل 1400 عام، إلى ما هو أنجع من ذلك، فكان يحب الفأل الحسن، ويبصر من خلاله «استشرافاً» لأعقد القضايا والأزمات، بل وكان – عليه صلوات الله – إذا التقى برجل يحمل اسماً منفراً، غيره كما فعل في «حرب»، و «مُرة»، وإذا عاد مريضاً يقول له: «لا بأس طهور»، فكثيرة هي قيم الطمأنينة والمحبة التي ينبغي أن نقتدي بها اليوم أسوة بنبينا، وكم علينا من مسؤولية تجاه أنفسنا، وأهلينا في التمهيد لصناعة إنسان داخل كل منهم، يحمل في سلوكه قدوةً حسنة، وصفات خُلقية سمحة، وقلباً عاقلاً متزناً، يقول الله تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ». 
وإن كل ما ذُكر هو نزر من بحر، من فيض النبوة العطرة التي تصنع لنا قدوةً سامية في معترك الحياة ومجالاتها في كل الأحوال، ولكنها تزداد في السمو والرفعة في نفوسنا التي لابد لها إدراك القيم النبوية من خلال المعاملات، وتطبيقها على أرض الواقع، حتى تنتقل للأجيال الغضة هدياً سليماً، واثقاً بدلاً من تناوله حصراً في المناهج التنظيرية، التي تنتهي بانتهاء وقت الدرس. اللهم ارزقنا فهم سيرة النبي العربي الهاشمي، واتباع سنته والسير على هديه – صلى الله عليه وسلم - وهو الذي قيلت فيه المدائح ولم توفه حقه، وكما قيل في حضرته الشريفة: 
وأجملُ منكَ لم ترَ قط عَيْني.. وأطيبُ منك لم تلد النساءُ 
خُلِقتَ مُبَرَّاً مِن كُلِّ عَيبٍ كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة