يبدو أنه من الآثار المؤلمة لجائحة كورونا، هي هذه العلاقة الغرامية النازفة بالأذى النفسي مع مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، حيث أصبح العالم في غيبوبة تسحب البساط عن العقل لتحوله إلى قطعة إسفنجية رثة، مشوبة بنفايات أخلاقية لا علاقة لها بالحضور الاجتماعي، وليست هي النجمة الفضائية التي نبحث عنها، ولا هي ثمرة التمر التي تعيد إلينا فيتامين الحديد الذي يقوي أجسادنا ضد الفيروسات، ولا هي اللغة التي ترسم خط التواصل مع الآخر، ولا هي الكلمة الفصل التي ترتب معنوياتنا لنصبح أقوياء أمام الوباء الشرس، ولا هي القدرة الفائقة التي نتنعم من خلالها بحياة مرفهة، في ضوء العتمة الكورونية.
حقيقة عندما تتأمل وجوه الأطفال، والكبار، الرجال والنساء على حد سواء، وهم يغوصون في معمعة الحكايات الخرافية التي يبثها أنصاف، وأشباه مثقفين، تشعر بالأسف على الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه، وما أصاب الكثيرين من وباء العزلة، وغربة الفكرة والاستلاب الذي سلخ المشاعر الإنسانية من جذرها الأخلاقي، واستنسخ سلوكيات مريبة، وعجيبة، وغريبة، ولا تبشر بالطمأنينة، حيث أصبح الناس في مغبة هذه الصرعة تائهين، مغيبين، عابثين، عدميين، غائصين في بحيرات ضحلة، لا يعبؤون بالعلاقات الإنسانية، ولا يعنيهم كل ما يحدث في إطار الأسرة الواحدة، ولا ترى غير ضحكات بلهاء، وابتسامات شوهاء، وانغماس في المشهد العبثي بشكل يثير الاشمئزاز، فعندما تشاهد امرأة تجاوزت الستين عاماً، عن شدقين أشبه بفكي تمساح، وقد استولت عليها لحظة سعادة مفبركة، جراء متابعتها حكاية أشبه بالخروفة، يسردها أحدهم بكل سماجة وسذاجة، ويشير بيدين كمروحتين تخلعت أضلاعهما، ويستمر الضحك، وتتابع الحركات المثيرة للتقزز، وبينما أنت تنظر بعينين شاخصتين، وقلب مشخوب، وعقل منهوب، لا تجد ما تعبر عنه غير الصمت الرهيب، وتعقد العزم على ألا تنبس ببنت شفة، لأن البوح في مثل هذه المواقف قد يسبب لك ولغيرك ارتفاع ضغط الدم، والسكر، وتضاعف نبضات القلب، ولن تجني أي فائدة لأن الواقع يسير ضد عقارب الساعة، وأنت تقف عند مصب النهر، ولو خطوت خطوة أخرى فقد يجرفك الشلال، وتنتهي إلى الأبد.
ولكن ما أود أن أقوله بأن هناك، من عتاة وسائل التواصل الاجتماعي، من يسوموننا بالجهل، بما يقذفونه في أذهان البعض ممن تقبلوا مثل هذه الفيروسات، وفي نهاية الأمر، لا نتمنى إلا أن يتوقف هذا الغثيان، وأن تعي العائلات مسؤوليتها تجاه الأسر، وأن يعوا بأن إدارة الأحاديث فيما بين أفراد الأسرة الواحدة، أجدر، وأجدى من تضييع الوقت في متابعة ما تبثه تلك الحسابات من نشارة خشب.