كان من الصعب علي، وأنا أصاب مثل أقراني بـ «نوبة» حب كرة القدم، أن لا أسقط في حب الأسطورة البرازيلي بيليه، أن لا أراه كما غيري، ملكاً يجلس على قمة كرة القدم، يدير مملكة الإبداع والنبوغ. 
عشقت بيليه، وما رأيت أسطورة أخرى لكرة القدم غيره، كيف لا وهو من قاد سحرة البرازيل للفوز بثلاثة كؤوس للعالم، كيف لا وهو أهدانا من صنوف الأهداف وسحر المراوغات، ما لم يعرف تاريخ كرة القدم قديمه وحديثه قريناً له.. كيف لا وهو من رفع كرة القدم لمرتبة الخلود.
كنت لا أستطيع على زمني، أن أقبل لـ «الأسطورة» بيليه بديلاً، ليس تطرفاً، ولكن يقيناً بأن بيليه نسخة لا يمكن أن تتكرر، إلا أن الوضع سيتغير، وأنا أشاهد في مطلع سبعينيات القرن الماضي لاعباً بقمة الأناقة والجمال، يوهان كرويف نجم أياكس الهولندي، الذي سيبدع كرة قدم شاملة، بشعارها الهجومي الذي سيكسر الكثير من الأغلال الدفاعية.
شق أياكس عصا الطاعة على السواعد الكروية الكبرى في أوروبا، وهو يتوج مع رينوس ميتشيلس، وبعده ستيفان كوفاكس بأمجد الكؤوس الأوربية ثلاث مرات متتالية بين 1971 و1973، ووسط تلك الجوقة السيمفونية كان هناك «مايسترو» اسمه يوهان كرويف، أشقر وسيم بـ «كعب عالٍ»، وبمؤهلات فنية خارقة للعادة، جعلت منه أول مهاجم طائر في تاريخ كرة القدم العالمية.
لم يسلب كرويف العقول، ولم يتربع على القلوب، فقط بما كان يبدعه على أرضية الملاعب مع أياكس، وحتى مع برشلونة، ولكن بما سيحدثه في مسرح العرض من حبكات تكتيكية، وهو يتقمص شخصية المدرب، كان للرجل فكره وفلسفته في الحياة، كما في كرة القدم، وطبعاً من شاهد نسخة برشلونة على عهده بكومان وجوارديولا وستويشكوف وروماريو، سيدرك كم كان هذا الرجل عبقرياً، بل «فلتة» من «فلتات» زمانه، فقد وضع في تلك الحقبة الأساسات الأولى لـ «التيكي تاكا»، الشكل الهندسي الجديد للكرة الشاملة والضاغطة والمانحة لجرعات كبيرة من الإبداع.
كان كرويف يتحدث عن كرة القدم، كما يتنفسها، وكما يعشقها، وكما يفلسفها، فهو من قال مرة: «لقد ذكرنا الناس، بأن كرة القدم متعة، أنا أطبع زمناً يصبح فيه اللعب الهجومي مرادفا للنجاح».
وهو من قال يوم عاد لبرشلونة مدرباً عام 1988: «أنا لا أعد بالألقاب، ولكنني أعد بالعرض الكروي الجميل، أريد أن أصنع زمناً استثنائياً لهذا الفريق».
والحقيقة أن كرويف صنع الزمن الاستثنائي لـ «البارسا»، بكرة قدم شاملة، لم يضاهيها في السحر والجمال أي فلسفة لعب أخرى، وبحصاد فريد من نوعه، ومع كرويف سيحصل برشلونة على لقبه الأوروبي الأول عام 1992، ومعه أربعة ألقاب «ليجا» متتالية، وكأنه يضع حبة الكرز على الحلوى.