تكتسب جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب زخماً جديداً مع تسارع وتيرة العمل من أجل وضع «الاستراتيجية الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، حيث عقدت اللجنة العليا التي تشرف على وضع الاستراتيجية اجتماعاً، أول من أمس الاثنين، برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي. وهذا الاجتماع الثالث للجنة، التي صدر قرار من مجلس الوزراء بتشكيلها في مطلع أغسطس الماضي، وقد عُقد الاجتماع الأول في 19 أغسطس، والاجتماع الثاني في 3 سبتمبر، ما يشير إلى تكثيف العمل من أجل بلورة الاستراتيجية في أقرب وقت ممكن.
وتلزم الإشارة إلى أن إدراك دولة الإمارات خطورة جريمة غسل الأموال كان مبكِّراً جداً، وسابقاً للصعود السريع لهذه الجريمة على أجندة الاهتمام الإقليمية والدولية، حيث وردت الإشارة إليها في التشريعات الإماراتية في القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 بشأن إصدار قانون العقوبات، الذي نصت المادة 21 منه على التالي: «يسري هذا القانون على كل من وُجد في الدولة بعد أن ارتكب في الخارج، بوصفه فاعلاً أو شريكاً، جريمة تخريب أو تعطيل وسائل الاتصال الدولية.. أو جرائم القرصنة والإرهاب الدولي أو جرائم غسل الأموال». 
وأسَّست الدولةُ، في وقت مبكر، «اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة»، حيث بدأت نشاطها عام 2000، أي قبل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي قفزت بقضية غسل الأموال وتمويل الإرهاب إلى الصدارة. وقد تولت اللجنة «الإشراف على سياسات وجهود مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الدولة، والارتقاء بكفاءة وفاعلية في مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، من خلال التحقق من الالتزام المستمر بالمعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب». 
وقد تسارعت الخطوات والإجراءات التي اتخذتها الدولة بعد ذلك، سواء من خلال الإجراءات المشددة أو التشريعات القانونية أو التعاون الثنائي والإقليمي والدولي من أجل مكافحة غسل الأموال. وقد صدر القانون الاتحادي (4) لسنة 2002 في شأن تجريم غسل الأموال في 22 يناير 2002​، سابقاً بدوره معظم القوانين المشابهة في المنطقة والعالم، ليكون التشريعَ الأول الذي يُخصص لمواجهة هذه الجريمة. وتوالت التشريعات اللاحقة لتستجيب للتغيرات التي طرأت على هذا الملف، حيث صدر مرسوم بقانون اتحادي رقم 20 لسنة 2018 في شأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
ويأتي إعداد «الاستراتيجية الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» ليكون قفزة نوعية إلى الأمام على هذا الطريق، من شأنها أن تضيف الكثير وتحقق تقدُّماً ملموساً، استناداً إلى تجارب سابقة استطاعت الدولة من خلالها معالجة ملفات مهمة من خلال وضع استراتيجيات لها، مثل «الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051»، و«استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036»، و«الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030»، و«الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة»، و«استراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات». 
إن أساس وضع هذه الاستراتيجيات، هو أن أي ملف يحتاج إلى تعاون كل الجهات ذات الصلة به، وتوحيد رؤاها لإنتاج تصُّور يراعي كل جوانبه، وهو ما يبدو جليًّا في حضور الاجتماع الذي ترأسه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، حيث ضم: وزير الدولة للشؤون المالية، ووزير العدل، ووزير الاقتصاد، ورئيس الهيئة الاتحادية للجمارك، ومحافظ المصرف المركزي، ورئيس جهاز أمن الدولة، ورئيس جهاز أمن الدولة في إمارة دبي، ووكيل وزارة الداخلية، ومساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية. ومع هذا التمثيل الرفيع المستوى لكل الجهات التي يتصل عملها بقضية غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن الاستراتيجية المرتقبة سوف تقدم معالجة أقوى وأشمل، وتضمن مزيداً من الفاعلية والتأثير لجهود مكافحة غسل الأموال، وحرمان الإرهاب من الدماء التي تُضخ في شرايينه من خلال العمليات المالية المشبوهة.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.