توصل طرفا الصراع المحليين الرئيسيين في ليبيا، الجمعة الماضي، وبرعاية أممية في جنيف، إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار وصفته الأمم المتحدة بـ«التاريخي». وأوضحت رئيسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة أن وقف إطلاق النار يشمل عموم أراضي ليبيا، وأنه سوف يدخل حيز التنفيذ بشكل عاجل ويفضي إلى سحب الوحدات العسكرية من جبهات القتال، كما يقضي بإنشاء آلية خاصة لرصد تنفيذ وقف إطلاق النار، ويؤكد على انسحاب جميع المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد خلال 3 أشهر بدءاً من تاريخ توقيع الاتفاق.
وليس هذا أول اتفاق يتم التوصل إليه بهذا الشأن، غير أن ثمة مؤشرات تدعو للتفاؤل هذه المرة، أولها أنه يأتي بعد أن دخل الصراع في مرحلة تأكدت فيها صعوبة، إن لم يكن استحالة، الحل العسكري، بحيث لم يعد يعترض الحل السياسي سوى أولئك الذين يقتاتون على الحرب، وثانيها أن طرفي الصراع المحليين الرئيسيين قد مُثلا في كافة الخطوات التي سبقت توقيع الاتفاق، وثالثها أن الاتفاق جاء تتويجاً لسلسلة من اللقاءات بين الطرفين تمت في المغرب ومصر وسويسرا، واتسمت اللقاءات في مصر بدلالة خاصة نظراً لأن الموقف المصري معروف كتعبير عن التوجه العربي المعادي للإرهاب والتدخلات الخارجية وتأييد جهود الجيش الوطني لاستعادة الدولة الليبية وتخليصها من الإرهاب، لذلك فإن اجتماع الفرقاء الليبيين على أرض مصرية كان إشارة لاحتمالات تقارب حقيقي بينهم، وفي كافة هذه اللقاءات كانت التصريحات التي أعقبتها إيجابية، وهكذا بدا الجو مهيأً لخطوة نوعية تمثلت في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
ولأن الصراع في ليبيا كان مؤخراً قد أخذ منحىً خطيراً في تطوره، خاصة بسبب التدخلات التركية، ولأن خطوات التوصل إلى الاتفاق بدت جادة ومنطقية فقد قوبل الاتفاق بترحيب دولي شامل لم يُستثن منه طرف إقليمي أو دولي واحد من المنغمسين في الصراع سوى تركيا التي وصف رئيسها الاتفاق بأنه «أقل مستوى» من الاتفاقات السابقة، قاصداً بذلك مستوى الشخصيات التي وقعت الاتفاق، وكأن الاتفاقات من هذا النوع لا تُوقع إلا على مستوى القمة، وكأن الاتفاقات التي وُقعت على مستويات أعلى قد حققت نجاحاً، وكأن المفاوضين الذين يشاركون في المباحثات أياً كان مستواهم لا تُخَول لهم سلطة التفاوض والتوقيع من الجهات المختصة في الأطراف التي يمثلونها. وذراً للرماد في العيون أعرب أردوغان عن أمله في أن يلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار، لكنه أردف أن هذا «لا يبدو قابلاً للتحقيق»، وأضاف تشككه في «صدق نوايا سحب المرتزقة»، وهو قول طريف لأنه الفاعل الأصيل في جلب المرتزقة إلى ليبيا، والواقع أن قلقه ومخاوفه في محلها، لكن بسبب وجوده كطرف فاعل في الصراع، فمشروعه السياسي لا يخفى على أحد، والتنفيذ الحقيقي للاتفاق يقوض هذا المشروع، ولذلك فإذا كان هناك مصدر للشك في الالتزام بهذا الاتفاق فإن أهم عنصر فيه هو السلوك المتوقع لأردوغان في مواجهة احتمالات تصفية نفوذه في ليبيا لو نُفذت خطوات إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة. وعليه فمن الحقيقي أن ثمة خشية على مستقبل الاتفاق، لكن مصدرها الرئيسي سيكون محاولة كافة الأطراف المتضررة من نجاح جهود وقف الحرب تخريب هذه الجهود، وقد رأينا تسجيلات حية مصورة لبعض الميليشيات الليبية وهي تعلن ألا ناقة لها ولا جمل فيما يجري من جهود على طريق التسوية.
ولن يحمي هذا الاتفاقَ سوى المضي بجدية على طريق تنفيذه وارتياد آفاق أرحب لحل الصراع وصولا إلى انتخابات يعبر الشعب الليبي فيها عن إرادته الحقيقية.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة