قبل تفحص أين تتأرجح كفة ميزان الفوز بالرئاسة الأميركية، نجد أن هذه الانتخابات تحمل صفات خريفية، من خلال أعمار المرشحين، وإثارة مسألة النزاهة في استغلال السلطة في تحقيق مكاسب مادية عائلية بين جو بايدن ودونالد ترامب، إلى جانب جائحة كورونا التي ألقت بثقلها على الحركة الاجتماعية والاقتصادية أميركياً ودولياً، وأصبحت محلاً للسجال الانتخابي الأميركي، وفرضت نفسها على وسائل التصويت حيث سيستخدم البريد، ولعلهُ سيكون محلاً للطعن بالنتائج لاحقاً. 
على مستوى القدرات الشخصية، تحتل الصحة الجسدية عاملاً مهماً، فكلاهما من مواليد الأربعينيات المعرضين للتدهور الصحي المفاجئ، حيث يبدو جو بايدن، أقل صحةً من ترامب الذي يحاول التشكيك في قدرات منافسهِ الصحية وتاريخ أعمالهِ السياسية، مع تميزه بحيوية عالية، حتى أن أسلوبه الاستفزازي ولغته الجسدية تجذب الناخبين، وأيضاً مادة إعلامية رائجة. وفي الإعلام تبدو تسريبات رسائل هيلاري كلينتون في صالح ترامب. 
أما على المستوى الحزبي، فلا يوجد بين الحزبين اختلاف أيديولوجي متناقض، بل جوهر الاختلاف هو الميول السياسية، ففي السياسات العامة، يميل معظم «الديمقراطيين» إلى تدخل الحكومة في القضايا والمشاكل التي تواجه الأمة الأميركية، في حين يميل «الجمهوريون» إلى تقليل التدخل الحكومي. ويخيم العاملان الاقتصادي والصحي على مزاج الناخب الأميركي، ففي الاقتصاد حققت إدارة ترامب نمواً اقتصادياً ملحوظاً، الأمر الذي سيجذب شريحة كبيرة، خاصةً الشباب المتطلع والمتفائل بالحياة وفرص العمل بعد انقشاع أزمة كورونا. وفي المقابل، يرجِّح خطاب الرعاية الصحية كفة بايدن، فهو يركز على إصلاحات في القطاع الصحي الضخم، ويرفع سبابتهُ منتقداً سياسة ترامب في التصدي لفيروس كورونا، معتبراً نتائجها سلبية في الصحة والاقتصاد.
وإذا استحضرنا حقيقة كون كبار السن أكثر تصويتاً في الولايات المتحدة، مع النظرية التي تقول إنه كلما كبُر الإنسان في السن أدرك أهمية الصحة للأمة، فمن الطبيعي أن كبار السن سيصوتون في معظمهم لصالح الحزب «الديمقراطي»، ناهيك عن كون شريحة كبيرة منهم متعاطفة مع بايدن في قصة وفاة ابنه «بو بايدن» بالسرطان في عام 2015، وكان قد نجا من حادث سيارة أودى بحياة أمِّه وأختِه 1972. وفي الشأن الصحي أيضاً، تدخَّل ترامب في مسألة خفض أسعار الأدوية، ولعل إصابته بكورونا قد جعلته يحظى بتعاطف شعبي مؤثر.
وبالنظر إلى مسألة ملف تقييد الهجرة، وحقوق الأقليات المثارة بقوة منذ مقتل جورج فلويد، فليس من الواضح أنها ستكون في صالح الحزب «الديمقراطي» الحاضنة الأكبر لهم، رغم مساعي أوباما الداعمة لبايدن، ويعود ذلك إلى سجل بايدن كرجل قانوني وسياسي. ومن الملفات المهمة التلوث والبيئة والأمن القومي. 
بالفعل، ستلعب الجماعات الإنجيلية واليهود دوراً مُهماً في ترجيح الحزب الفائز، كما حدث في فوز «الجمهوريين» 1969 و1981 و«الديمقراطيين» 1977، وربما حظوظ ترامب عالية، حيث حقق تقدماً في عملية السلام في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل.
وفي الخاتمة أود اختزال مسألة السياسة الخارجية التي تشغل العالم بأسرة. الخبرة التاريخية تكشف بأن «الديمقراطيين» أكثر دهاءً في استخدام القوة الناعمة، دون استبعاد القوة الصلبة الاقتصادية والعسكرية، التي يميل «الجمهوريون» إليها أكثر، لذا فـ«الديموقراطيون» أكثر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول في مسائل الديمقراطية والحقوق والحريات، غير أن «الجمهوريين» أيضاً قد يميلون إلى التدخل مثل مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر احتلال العراق 2003.
*كاتب ومحلل سياسي