لطالما حذر بعض الساسة العرب بشكل عام والخليجيين بشكل خاص من خطورة الإرهاب، وسبق وأن حذرت قيادات خليجية من احتمال أن يأتي المتطرفون والإرهابيون من أوروبا، والسبب قد يكون استغلال هؤلاء المتطرفين لمناخ الحريات بطريقة سيئة، وللأسف هناك من الأوروبيين من يدعي الدراية بشؤون الشرق الأوسط أو بالإسلام أو أنهم يعرفون الآخرين، لكن مع الوقت يتأكد أنهم لا يدركون الكثير من الحقائق، خاصة بعدما تقع عمليات إرهابية، أو تطرأ سلوكيات تؤجج التطرف وتوفر ذريعة للإرهاب. ومن المهم التركيز على منطق الصوابية السياسية بمعنى أن هناك فرقاً بين الإسلام كدين وتيارات الإسلام السياسي كخطر داهم يربك استقرار المجتمعات ويعطل الاندماج الوطني في بعض الدول الأوروبية.
ما تشاهده فرنسا من أعمال عنف وقتل على أيدي متطرفين إسلاميين يثبت كل ما أشرت إليه. فقد أفادت المديرية العامة للأمن الداخلي أنه منذ يناير 2015، تم وقوع 59 هجوماً من إسلاميين متطرفين في فرنسا، وكان آخرها قطع رأس مدرس تاريخ فرنسي، «صامويل باتي»، على يد لاجئ متطرف شيشاني يدعى، عبدالله أنزوروف، ويبلغ من العمر 18 عاماً في 16 أكتوبر بالضاحية الغربية لباريس. وكان سبب القتل عرض المدرس رسمين كاريكاتوريين للنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، سبق أن نشرتهما أسبوعية شارلي إيبدو.
فبعد مقتل المدرس، عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 20 أكتوبر مؤتمراً صحفياً تعهد خلاله بـ«تكثيف التحركات» ضد الإسلام المتطرف، كما أعلن أنه سيتم حل جماعة الشيخ «أحمد ياسين» الموالية لحماس و«الضالعة مباشرة» في الاعتداء، وسيتم اتخاذ إجراءات مماثلة بحق جماعات مشابهة لها. كما تحدث ماكرون عن التوجهات الانفصالية الإسلامية التي ترفض الانصهار في إطار الهوية الوطنية الجامعة والتي تشكل حاضنة للإرهاب، وأضاف في خطابه: «التحدي هو محاربة أولئك الذين يحاربون باسم الدين... مع حماية أولئك الذين يؤمنون بالإسلام، وهم مواطنون كاملون في الجمهورية».
لكن لو طبق هذا الكلام من قبل لما واجهت فرنسا  هذه الخسائر البشرية. فقد ذكرت كل من الإمارات ومصر والسعودية والبحرين، منذ فترة طويلة، أن الإسلاميين السياسيين هم بوابة للتطرف، ودعمهم يعني دعم الجماعات الإرهابية، مثل «داعش» و«القاعدة»؛ لأنهم جميعاً ينتمون إلى الفكر المتطرف نفسه، لكن الدول الغربية لم تكتفِ بعدم الاستماع، بل اعتبرتهم يمثلون الإسلام المعتدل، وفتحوا لهم الأبواب، وأيدوا تمكينهم من السلطة، خاصة إثر أحداث ما سمي بـ«الربيع العربي». كذلك كل من ينوه عن خطر الإسلام السياسي في أوروبا يتهم بالعنصرية والإسلاموفوبيا؛ لأن هذا يتعارض مع الصوابية السياسية.
المهم الآن أن ماكرون استيقظ لخطر الإسلام السياسي، وهذا سبب الهجوم عليه من قبل «الإخوان» وحلفائهم، لكن الأهم هو هل بإمكانه تفكيك المنظمات التابعة للإسلاميين في فرنسا، هل يستطيع أن يستغني عن مصالحه مع الأنظمة الثيوقراطية في المنطقة، هل بإمكانه إقناع القادة الأوروبيين والأحزاب اليسارية برؤيته ومنهجه الجديد في التعامل مع هذه الجماعات المؤدلجة؟ هذا ما نتمنى أن نراه لكي يثبت لنا جديته.


*باحثة سعودية في الإعلام السياسي